الأب : شاكر المصري
الام : إستوبا
اللون : أزرق
الميلاد: ١٩٧٥
بعد صراع طويل مع غيوم الشتاء ، وجدت الشمس طريقها في سماء ألمانيا الى الارض ، أرسلت أشعتها الدافئة لتذيب ما تبقى من ثلوج الشتاء ، الرابح الأكبر هو الغابات و السفوح فقد استطاعت هي الاخرى أن تخلع ثوبها الأبيض و تستبدله بثوبها الأخضر الجميل المزخرف بأزهار الصيف البرية الصفراء . إننا في غابات بلاك فورست اللألمانية المتاخمة للحدود الفرنسية ، الجو مشمس و دافئ، وها هي الفرس ( إستوبا ) قد شارفت على الولادة و بدأت قطرات الحليب تقطر منها على البساط الأخضر في المربط الذي سمي لاحقاً ( أم العرب ) وبما أن الجو دافئ فقد أُبقي على إستوبا في الخارج ( إستوبا تفضل البقاء خارجاً طيلة اليوم )، وبعد منتصف الليل بدأت آلام المخاض ، إنه مولودها الثالث، إستلقت على جنبها الأيمن لتزفر زفرات الولادة وتضع مولودها الذكر الاول.
في العاشر من شهر اغسطس ١٩٧٥ ولد (الشكلان ) فلم تعد الخيل العربية من بعده مثل ما كانت.
البداية :
للحديث عن بداية الشكلان لابد لنا أن نرجع بالزمن للوراء ( قبل ولادته بخمس سنوات ) ففي عام ١٩٧٠ سافر زوجان ألمانيان شابان مولعان بالخيل العربية الى أسبانيا بحثاً أفراس إنتاج ، الزوجة تسمى ( سيجي ) وهي محور قصتنا.
تقول سيجي أمضينا عدة أيام نبحث في مختلف المزارع عن أفراس إنتاج وقد قمنا بشراء ١٨ فرس كان إحدها ( إستوبا ).
اللقاء بإستوبا :
في طريقنا للمزرعة التي وجدنا بها إستوبا حدثتني المرافقة الاسبانية أننا ذاهبون لأحد أفضل مربي الخيول العربية في أسبانيا ولكن يتوجب علي أن أتقبّل فضاضة أسلوبه في الحديث ( دفش ) .
وصلنا للمزرعة و عندما ترجلتُ شاهدت قطيع من الافراس فشدتني ( إستوبا ) من النظرة الأولى: فرس زرقاء ( اللون الأبيض يسمى أزرق في الخيل ) ولكنها متحولة للون البني من شدة إتساخها بالوحل ، هزيلة ، الخدوش تغطي كل جسدها تقريباً ( من العراك مع باقي الافراس ) ، رغم كل ذلك إلا أنني أحببتها ، سألت ما اذا كانت معروضة للبيع فأجاب كلا ، حاولت و المرافقة إقناعه بالبيع لعدة ساعات وكللت مساعينا بالنجاح بعد طول إلحاح.
تتميز إستوبا بنعومة الرأس و السلوك الجميل و التراقص في حركتها فبمجرد إستثارتها يرتفع ذيلها ليستقر على ظهرها و تنحني رقبتها في تقوس جميل.
اللقاء بشاكر:
في العام ١٩٧١ واصل الزوجان رحلة البحث عن الخيول العربية ولكن هذه المرة في مصر ، الوجهة ( محطة الزهراء للخيول العربية ) للبحث عن فحل للإنتاج وقعت عينيهم على فحل أشقر جميل البنية ناعم الرأس جميل الرقبة و المذبح يبلغ من العمر قرابة ٨ سنوات ابن الفحل الشهير ( مرافق ) . لم يصدقوا انه معروض للبيع إشتروه مباشرة
سألت ( سيجي ) السيد أمين زاهر عن معنى إسم ( شاكر ) و عندما أخبرها بالمعنى أضافت إليه إسم المصري فأصبح إسمه (شاكر المصري ) عرفاناً لمصر .
التقاطع الذهبي:
في تلك الحقبة كان مِن المشين مزج دماء عربية من خطوط مختلفة مع بعضها البعض لتزمت بعض المربين وتعصبهم للخطوط التي يربونها .إستوبا فرس عربية من الخط الإسباني و شاكر المصري من تسميته يتبين أنه من الخط المصري لكن الزوجين المغمورين فعلوها ضاربين بتلك الاعراف عرض الحائط فكان نَتَاجُ تلك الرعونة مهر جميل أزرق سمي الشكلان .
مرحلة ألمانيا :
تقول سيجي في مذكراتها ولد الشكلان بعد مهرتين من نفس الأب والأم ، حيث لاحظنا جودة الإنتاج ولكن لم نكن حتى في أحلامنا الوردية نعتقد أن ننتج مهر بهذه الجودة كالشكلان ، عند مشاهدته للوهلة الأولى إعتقدت أنه مهرة ، ذلك أن أمه أنتجت مهرتين من نفس الأب و السبب الثاني يرجع لفرط نعومته .
في عام ١٩٧٦ قامت سيجي و زوجها هاينز بأخذ كل من إستوبا و إبنها الشكلان و بنتها إستاشا لبطولة صغيرة في بلجيكا للتعريف ببرنامج إنتاجهم على صعيد أوسع في أوروبا، ( إستاشا ) توجت البطلة الذهبية ( إستوبا ) حققت المركز الثاني لفئة الافراس أما ( الشكلان ) فحقق المركز الثاني لفئة المهور .
أثناء تلك البطولة وقعت عين السيدة و السيد ماكسويل على الشكلان وعرضوا شراءه بسعر خيالي لمهر غير معروف ولم يحقق حتى البطولة الذهبية وو كاد السيد هاينز أن يوافق لولا إلحاح سيجي على عدم بيعه ، مبرر هاينز أن السعر مغري و أن الاب و الام موجودان وممكن إنتاج مهر آخر ….. و بعد أن إحتد النقاش كان لسيجي الكلمة الفصل ( إما أن يبقى الشكلان أو أن أرحل معه ) فرضخ السيد هاينز كحال كل الازواج في مثل هذه المواقف الحاسمة لرأي الزوجة مجبوراً ?.
لكن عائلة ماكسويل لم تستسلم بل ألحوا في الطلب الى أن تمت التسوية بالموافقة على إيجاره لمدة موسمين كاملين ….
ذهب الشكلان لإنجلترا و أنتج هناك البطل ( ملك الخيل ) الذي آلت ملكيته لاحقاً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان و عاش حتى عمر ٣٦ سنة في مربط الاريام العربية في أبوظبي.
النكسة الاولى :
العام ١٩٧٨ شَكَلَ هزة كبيرة لبرنامج انتاج ( أم العرب ) فعندما كان شاكر في الخارج يعدو مسرعاً بأقصى سرعته إنزلق و سقط على ظهره فإخترق جسم حاد أحشاءه ليستقر في الكبد وما هي الا ايام و نفق شاكر المصري.
بعد أن نفق شاكر المصري أضطرت سيجي لطلب الشكلان من عائلة ماكسويل رغم أن مدة عقد الايجار لم تنتهي ، و ذلك ليعوض غياب والده ….
عاد الشكلان لألمانيا ليحل محل أبيه كفحل مزرعة …. ولكن النظام في ألمانيا في تلك الفترة كان يحتم أن يمر الفحل بإختبارات تحمل تتضمن ( إختبارات السرعة و قفز الحواجز و التحمل ) وذلك للحصول على ترخيص حيث لايمكن أن يلقح الا الفحل المرخص من خلال ذلك الاختبار.
إجتاز الشكلان ذلك الاختبار و حصل على أعلى تصنيف …. ولكنه عاد بإصابة في الاوتار كانت تستدعي بقائة في الإسطبل لمدة ثلاث أشهر دون تمرين أو عمل شاق او حتى الخروج في الملفت ( الملفت مساحة كبيرة نسبياً مسيجة تستطيع الخيل العدو فيها بحرية )
في تلك المرحلة الصعبة نشأت علاقة غير عادية بين سيجي و الشكلان ، تقول سيجي ” كنت أمضي ساعات يومياً مع الشكلان أعالجه ، أكلمة ، أشكي له همومي اليومية ، يفهمني و أفهمه …. تخرج سيجي للمشي مع الشكلان لمسافات طويلة ، بدأت حالته الصحية بالتحسن …
الرحلة للولايات المتحدة:
ذهبت سيجي للولايات المتحدة لحضور بطولة سكودستل العريقة و شاهدت العجب وكيف أن صناعة الخيل العربية مزدهرة و عدد الخيول المشاركة بالعشرات في كل فئة ، فقرروا أن يفتحوا خط الولايات المتحدة للشكلان …..
كان ذلك من خلال المدرب والمربي الشاب ( داغ ديمن) الذي إستأجر للتو مزرعة كبيرة لذلك الغرض … يقول داغ ” ذهبت لألمانيا لمشاهدة الشكلان ، و ذهلت عندما شاهدته ، الشكلان كان فحلاً إستثنائياً جمع متناقضين ( النعومة في الرأس و قوة و صلابة التكوين العظمي و العضلي ) خط الظهر مثالي القوائم كذلك، أما عن طباعه فيقول داغ : الشكلان فحل مثالي الطباع وديع جداً جداً لدرجة أنك تستطيع إحضار فراشك و ملائتك و تنام معه في غرفته بسكينة تامة .
ويستحضر داغ ديمن تلك الليلة التي اجتاحت فيها عاصفة المنطقة و أتت على الإسطبل فقتلعت سقفه ولم يجرء أحد على الخروج للاطمئنان على الخيول وعندما هدءت العاصفة خرجوا ليجدوا سقف الإسطبل قد طار لمكان آخر كما وجدوا الشكلان لم تهتز له شعره ومستمتع بتناول البرسيم.
وبالمقابل عندما يدخل ساحة العرض يتحول لفحل متعجرف و مختال ، رأسه لم يكن مألوف في تلك الحقبة ، كنت متأكد أنه سيسحب البساط في الولايات المتحدة ” يقول داغ.
ذهب داغ لمشاهدة إنتاج الشكلان فوجد أبنائه وبناته تحمل ذات الصفات التي يحملها و بشكل متكرر في جميع أبنائه ….
تم الاتفاق على أخذ إثنان من أبناء الشكلان للولايات المتحدة وذلك لإطلاع المربين في الولايات المتحدة على شيئ مختلف لم يألفوه ، حققت بنته نتائج مبهرة في عروض الجمال بيعت بسعر عالي جدا ً كذلك إبنه ذو السنة …
لعدم وجود التقنيات الحديثة في التصوير و التواصل الافتراضي ضَل الناس على صفيح ساخن ينتظرون قدوم الشكلان الذي تم الترويج لقدومه…
بعد عامً و نصف وطئ حافر الشكلان أرضية مطار لوس أنجلس و عند وصوله حضر في هيبة ملك وسط إندهاش المربين الذين حضروا من مختلف الولايات قاطعين ساعات من الطيران لمشاهدته ، كان شيئ غير مألوف في الولايات المتحدة …… يقول داغ : كنّا نواصل الليل بالنهار لإنهاء طلبات التشبيات ( التلقيح ) أحدهم يجهز الفرس و الاخر يجهز الأوراق و آخر يجهز الفحل ، عمل دؤوب …. في الموسم الاول من وصوله تم تلقيح ٩٧ فرس منه و الموسم الذي يليه ١٠٧ و هكذا ،،،،، الجميع منبهر بالفحل وإنتاجه …. ولا ننسى أن طرق التلقيح الحديث لم تكن موجودة في تلك الفترة ، ولم يكن الترويج بالتصوير و الفيديو منتشر في ذات الفترة …. عربات تقل أفراس تقف طوابير على بوابات المزرعة !!!! بعضهم يبيت في السيارة لكي يستطيع ان يلقح فرسه قبل إنتهاء فترة إباضتها…
كانت الامور تسير بشكل متسارع لم يصدقه أحد ، إستطاعت سيجي أن تشتري و زوجها مزرعة كبيرة في كاليفورنيا و تصمم إسطبلات كبيرة على أرضها وقد إستوحت من الطراز المعماري الإسباني الشئ الكثير عرفان بفضل إستوبا و أسبانيا . المسامير التي دُقت ، الأخشاب التي قطعت و ركبت ، أثاث المنزل السيارات … كل ذلك من مدخول تشبيات الشكلان .
إنتاجه:
الشكلان يعد أحد الفحول التاريخية التي قلما تجد نسب خَيل عربي لا يحتوي على دماءه في مشجر نسبه و نذكر منهم على سبيل المثال :
دبليو اتش جستس
ڤيرزاتشي
إلدورادا
صناديق الشكلان
ملك الخيل
ليدي ڤيرونيكا
أم الازاديك
و قدد أسست السيدة. لانيتا بيروي من البرازيل برنامج إنتاجها على ست أفراس إشترتها من الولايات المتحدة وشحنتها للبرازيل بعد ان تأكدت أنه قد تم تلقيحها على الشكلان لتشكل بناته تقاطعاً مثالي مع الفحل علي جمال (طالع قصته الكاملة على موقعنا ).
النكسة الثانية :
كحال أي صعود لابد من عثرات ولكن العثرة كان وقعها قوي على سيجي ، العام ١٩٨٥ شهد طلاق سيجي و هاينز، وحسب القوانين يقتسم الزوج والزوجة جميع الممتلكات بالتساوي ، حرصت سيجي أن يكون الشكلان من نصيبها و لكنها لم تستطع ،. ذهبت للمحكمة لتثبت لهم إرتباطها الشخصي بالفحل و إرتباطها بعقود مع المربين ولكن دون جدوى ، واصلت أليل بالنهار بكاءً . حكمت المحكمة ببيع الشكلان …… المشترون كثر …. السماسرة كثر …. المصطادون في الماء العكرة كثر ….. بيع الشكلان في ذلك الوقت بمبلغ يزيد على ٣.٥ مليون ريال سعودي …. يعتبر هذا المبلغ ثروة في تلك الحقبة.
تقول سيجي كان بيع الشكلان ثاني أقوى لحظة تعصف بحياتي بعد وفاة أمي ، لحظة صعود الشكلان العربة مغادراً كاليفورنيا ، قررت سيجي أن تنهي كل إرتباط لها بالخيول العربية !!!!! لولا وجود إستوبا التي لم تستطع التخلي عنها لفرط حبها .
آلت ملكية الشكلان للسيد نجيب عودي من البرازيل .
في العام ١٩٩١ ورد اتصال لسيجي يفيد أن السيد عودي عرض جميع خيوله للبيع ، خلال اليوم التالي طارت للبرازيل لمشاهدت الشكلان ، تقول كان لقائي بالشكلان لقاء مؤلم ، كان أشبه بأُم وجدت طفلها بعد عدة سنين من الانقطاع و لكن وجدته بحالة إعياء تام …. ذلك الوضع الذي وجدت عليه الشكلان …. كان في حالة إعياء و هزال و يعاني من إصابة سببت حالة عرج شديد !!!!!
تقول سيجي كفكفت دموعي و أصبحت أكثر إصرار على شراء الشكلان … اتفقنا على السعر ووقعنا العقد ذهبت للولايات المتحدة لأرتب موضوع دفع المبلغ ، ولكن خلال ذات الأسبوع علمت بأن السيد نجيب باع الشكلان للأرجنتين ضارباً بالعقد عرض الحائط !!!!
الشكلان للأرجنتين :
المحطة الخامسة للشكلان كانت الأرجنتين حينما اشتراه الكونت ( فيديريكو ) صاحب مربط ZT الشهير الذي يعد من أشهر المربين في العالم، خيبة الأمل ما زالت ترافق سيجي، هنا فقط فقدت الأمل في عودة الشكلان لها ثانية ……
في العام ١٩٩٩ أي قبل نفوق الشكلان بعام طارت الى الأرجنتين لزيارة الشكلان ، تقول على الرغم من حزني الشديد على فراقه الا أنني رأيته سعيداً ويُعامل معاملة خاصة ، كانت أمنيتي الوحيدة أن يكون معي لأعتني به فيما تبقى من عمره ، أستأذنتهم لقتياده في جولة داخل المربط ، خَرجت به عصر ذلك اليوم عند إنكسار الشمس تتحدث اليه بصوت خالطه رجفة البكاء عندما استرجعت تلك الأيام التي كانت تمشي فيها معه ، الريح الجنوبية تتسلل الى شعره فترسلها شمالاً ، وعلى وقع صوت حوافره تتساقط دموعها ، علمت سيجي أنه اللقاء الأخير ، ولا أعلم لماذا عندما إستحضرت تلك اللحظات سَرَى بمسمعي سمفونية بيتهوفن الخالدة ( ضوء القمر ) .
غادر الشكلان للأبد و بقيت دماءه حاضرة في كل دول العالم ، فقلما تجد خيلاً لايحتوي على دماءه .
غادر الشكلان بعد أن غير بوصلة الخيل العربية لإتجاه آخر .
غادر الشكلان بعد أن غير مجرى حياة كثير من البشر .
غادر الشكلان بعد أن أفرح كثيرون و ابكى كثيرون .
غادر الشكلان ………
المصادر :
– مذكرات سيجي سيلر عن الشكلان
– مقال يانينا مرتز عن الشكلان
– مقابلة شخصية مع داغ ديمن
ماشاء الله مقالك جداً جميل ، طرحك منفرد و مميز
ما شاء الله اخي بو ناصر…مقال ممتاز…والله لم استطع التوقف عن القراءة حتى نهاية المقال….نسال الله لك التوفيق ….ونهنئكم باليوم الوطني لدولة الامارات الحبيبة
اخوكم زياد القرشي من السعودية
اخيراً تحققت امنيتي بالكتابة عن الفحل الشكلان لمعرفة المزيد عن هذا الفحل النادر بجماله وتوريثه صفاته الحسنه لانتاجه…
مقال واسلوب شيق وكاتب متميز
مقال رائع لموضوع أكثر روعة .
شكرا
اشكرك ابوناصر على هالمعلومات القيمةوالطرح الرايق وانا من محبين هذه الدماء
ومن انتاجه صناديق الشكلان
وانا احتفظ باحدى بناته الشهيرات
ومحبتي لها تفوق محبة (سيجي )
للشكلان
دمتم……