إن القلب ليحزن عندما تقرأ الأعين أو تسمع الآذان عن طبيب بيطري اضطر لقتل حصان أو فرس قتلا رحيما لأسباب مختلفة. ولعل خبر الطبيب البيطري الذي اضطر الى اللجوء إلى “القتل الرحيم” عندما أنهى حياة أحد الخيول المشاركة في سباق ملتقى الفرسان الثالث 37 بمحافظة العلا، بعدما تعرضت ساقه للكسر؛ لعله بث الحزن في كثير من القلوب، فقد ذكر الطبيب إنه لا توجد جبارة كسور لسيقان الخيول، وأن الحصان نفسه سوف يموت قهرا، لعدم قدرته على المشي. وينتهج الأطباء عدة طرق للقتل الرحيم، كالحقن وغيره. فهل ما يفعلونه صحيحا، أم أن للدين رأي آخر؟..
بين الشرع أن قتل الحصان الذي لا يرجى شفاؤه بالذبح لإراحته؛ مستحب، واعتبر الفقهاء ذلك من الرحمة المأمور بها في حديث: (ارحموا ترحموا) الذي رواه البخاري وصححه الألباني. وقد وجه سؤال الى الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء بالمملكة العربية السعودية (فتاوى اللجنة الدائمة) عن الرمي بالرصاص للتخلص من الخيول بسبب كبر سنها أو لوجود عاهة بها تمنعها من مواصلة التدريب، أو نحو ذلك. فكانت الإجابة: لا يخفى أن الخيل يباح أكلها على الصحيح من المذهب، لما في الصحيحين: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل”. ولما فيهما عن أسماء قالت: “نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة. وفي رواية للدارقطني: أرادت أن تموت فذبحناها فأكلناها.
وثبت أنها مما يباح أكله فلا يجوز ذبحها برميها بالرصاص أو نحوه إلا بشرط، كأن لا يقدر على ذبحها إلا بذلك، أما إذا لم تتعذر تذكيتها التذكية الشرعية فلا يجوز ذبحها إلا بها؛ لما للتذكية الشرعية من إراحة الذبيحة والإحسان في الذبح، فإن كانت الفرس المذبوحة مما يجوز أكله صحيًّا، أمكن إعطاؤها من يأكلها من المسلمين، فإن لم يوجد أحد يقبلها أطعمت الحيوانات، كالأسود ونحوها، وإن كانت مما لا يجوز أكلها صحيًّا، تخلص من لحمها بعد ذبحها الذبح الشرعي بأي طريق يضمن ذلك.
وفي موقع آخر ورد سؤال: عندما تنكسر يد الفرس ولا يستطاع تجبيرها، هل يجوز وخزها بإبره بنزين لإراحتها من العذاب؟. وكانت الإجابة: فإن الخيل مباحٌ أكل لحمها على القول الراجح من أقوال أهل العلم وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وعليه فنقول: لا ينبغي قتل الخيل بهذه الطريقة التي ذكرت في السؤال لأن في ذلك إضاعة للمال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل حرَّم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعاً وهات وكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”. فينبغي أن يذبح ويؤكل، أو يوزع لحمه على من يحتاجه من الفقراء والمساكين. وقد حثّ الاسلام على الإحسان في قتل الحيوان عند قتله، فقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته”
وقد اختلف العلماء في جواز قتل الحيوانات بدافع الرحمة على قولين:
الأول: نص الشافعية على أنه لا يجوز ذبح ما لا يؤكل كالحمار العجوز، ولو لإراحته عند تضرره من الحياة.
الثاني: وأجازه المالكية: كذكاة ما لا يؤكل لحمه كحمار أو بغل إن أيس منه، فيجوز تذكيته بل يُندب لإراحته. وقال بعضهم: ” أي أيس في الانتفاع به حقيقة لمرض أو عمى، أو حكماً بأن كان في مغارة من الأرض لا علف فيها ولا يرجى أخذ أحد له “
وقد أفتى بهذا ابن عثيمين فقال: “الحيوان إذا مرض فإن كان مما لا يؤكل لحمه ولا يُرجى شفاؤه فلا حرج عليك أن تقتله، لأن في إبقائه إلزاماً لك في أمر يكون فيه ضياع مالك، لأنه لا بد له أن تنفق عليه، وهذا الإنفاق يكون فيه إضاعة للمال وإبقاؤه إلى أن يموت بدون أن تطعمه أو تسقيه مُحرّم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ). أما إن كان الحيوان مما يؤكل وبلغت الحال به إلى حد لا يمكن الانتفاع به ولا إعطاؤه لمن ينتفع به فإن حكمه حكم الحيوان مُحرّم الأكل، أي أنه يجوز له أن يتلفه، سواء بذبحه أو قتله بالرصاص، وافعل ما يكون أريح له”.
والذي يراه جمهور العلماء أن ترسل هذه الحيوانات إلى جمعيات أو مراكز رعاية الحيوان إن وُجدت لتقوم برعايتها والانتفاع بها، فإن تعسر ذلك، يرى جواز قتل الحيوان المأكول لحمه عند العجز من القيام بحقه من إطعامه أو علاجه أو يصبح الإنفاق عليه ضرباً من إضاعة المال، أو انتقال المرض إلى غيره، أو إلى الناس كالطيور التي تصاب بالأنفلونزا. وأما الحيوان الذي إذا كسر لا يجبر فمثل هذا يذكى ويوزع على المحتاجين والفقراء، وينتفع بكل شيء فيه يمكن الانتفاع منه، كحصان كسرت رجله ولا أمل في شفائه، فلا يُقتل عبثاً بل يُذكى ويوزع لحمه على المحتاجين لأنه مأكول اللحم.
كل ذلك بشرط الإحسان في القتل وتجنب إي لون من ألوان التعذيب والأذى، ولا تلقى في الطرقات فيتأذى الناس برائحتها، ولا تقدم طعاماً للحيوانات المفترسة وهي حية، وبذل الجهد في الانتفاع بها ما وجد إلى ذلك سبيلاً كالانتفاع بجلودها أو عظامها أو غيرها، لأن غير ذلك من تضييع المال الذي نهى عنه الإسلام.