للخيل في الحروب شأن عجيب، فقد ذُكر في تأويل قول الله تعالى ((والعاديات ضبحا)) أنها الخيل التي تعدو في القتال وتحمحم، والخيل حين تغير في سبيل الله. ومن قبل الإسلام ذكرت الخيل بصفات القوة والسرعة والشجاعة أيضا؛ فقد قال عنترة في حصانه الأدهم: “ما زلت أرميهم بثغرة نحره ولبانه حتى تسربل بالدم”.. وحتى في المعارك التي دارت في العصور الحديثة كان للخيل وجود..
أما أبو محجن فهو صحابي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأما البلقاء ففرس لسعد بن أبي وقاص.. فارس وفرس، ثنائي شكل قوة ضاربة، ساهمت في هزيمة الأعداء في معركة القادسية التى دارت رحاها في رمضان..
كرت البلقاء يوم القادسية كرا لا هوادة فيه، حتى أن قائد المعركة ومالكها سعد بن ابي وقاص، الذي كان يشرف على المعركة من على قصر بقرب ساحة المعركة لأن به جراحة؛ عرف فرسه التي تركها مربوطة؛ من مكان ليس بالقريب، وهذا دليل على حب أولائك الناس لخيلهم ومعرفتهم لعدوها وطباعها وكل صفاتها، ولو من على البعد. ومن قبل هذا معرفتهم لأصحابهم الذين جمعهم هذا الدين السمح، فقد تُرك أبو محجن محبوسا، وهاهو ذا يبلي في المعركة بلاء حسنا.
تقول القصة إن الصحابي الجليل أبو محجن الثقفي كان مبتلى بشرب الخمر، فكان يجاء به فيجلد، ثم يجاء به فيجلد، ولكنه كان يعلم أن هذا لا يعفيه من العمل لدينه أو القيام بنصرته، فإذا به يخرج مع المسلمين إلى القادسية جنديا يبحث عن الشهادة في مظانها، وفي القادسية يجاء به إلى أمير الجيش سعد بن أبي وقاص وقد شرب الخمر، فيحبسه سعد حتى تشتد المعركة..
وكان الحبس عقوبة قاسية آلمت أبا محجن أشد الألم حتى إذا سمع ضرب السيوف ووقع الرماح وصهيل الخيل وعلم أن سوق الجهاد قد قامت، وأبواب الجنة قد فتحت، جاشت نفسه وهاجت أشواقه إلى الجهاد، فقال: كفى حزنًا أن تُطرَدَ الخيل بالقنا … وأُترَكَ مَشدودا عليَّ وَثَاقِيَا. ثم نادى امرأةسعد بن أبي وقاص قائلا: خليني فلله علي، إن سَلِمْتُ أن أجيء حتى أضـع رجلي في القيد، وإن قُتِلتُ استرحتم مني،فرحمت أشواقه، واحترمت عاطفته وخلت سبيله، فوثب على فرس لسعد يقال لها: البلقاء، ثم أخذ الرمح وانطلق لا يحمل على كتيبة إلا كسرها، ولا على جمع إلا فرقه، وجعل الناس يقولون: هذا مَلَكٌ؛ لِما يرَونه يصنع، وسعد يشرف على المعـركـة ويعجب ويقول: الكرُّ كَرُّ البلقاء، والضرب ضرب أبي محجن، وأبو محجن في القيد.
وعندما انهزم العدو عاد أبو محجن على البلقاء، فجعل رجله في القيد، ورُبطت البلقاء، فما كان من امرأة سعد إلا أن أخبرته بهذا النبأ العجاب، وما كان من أمر أبي محجن، فأكبر سعدرضي الله عنه هذه النفس، وهذه الغيرة على الدين، وهذه الأشواق للجهاد وقام بنفسه إلى هذا الشارب الخمر يحل قيوده بيديه الطيبتين ويقول: ” قم فوالله لا أجلدك في الخمر أبدا، وأبو محجن يقول: وأنا والله لا أشربها أبداً”.