الجواد العربي الأصيل .. تحفة من الجمال، ألهمت الأدباء والفنانين والشعراء على تشكيل صور أدبية بديعة لهذا الكائن، أضحت تاريخاً يحلو ذكره، ويرجى نفعه، فبعض الشعراء جمع في هيئة الحصان ألواناً من الصور؛ ففي فرس إمرؤ القيس خاصرة الظبي، وساق النعامة، وفي عدوه انطلاقة الذئب، وفي مشيه تقريب الثعلب .. ولعل هذا الوصف هو تحكيماً بليغاً، دل على ريادة العرب لهذا المجال.
قبل المضي في التعرف على مبادئ التحكيم، لابد من توضيح صورة المسميات العربية لبعض أعضاء جسم الفرس، ومن أراد الإكثار والفائدة فله الرجوع للكتب التراثية المعروفة. فعلى سبيل المثال؛ فقد قالوا إن الخيل مؤنثة، ولا واحد لها من جنسها، وجمعها خيول، ويقال في صفاتها: أذن مؤللة ومرهفة، أي محددة الطرف. و”حشرة” صغيرة مستديرة. و”مقدودة” مدورة. وأذن ” غضنفري”. و”زبعراة” أي غليظة. و”خذاوية” أي خفيفة السمع. ثم “الناصية” وهي الشعر السائل على الجبهة، يقال ” واردة” وهي الطويلة. و”جثلة” وهي الكثيرة الملتفة. و”الفاشغة” و”لغماء” وهي الكثيرة المنتشرة . و”السفواء” وهي القليلة”. و”عصفرورها”: أصل منبت شعرها. و”قونسها” : العظم النائي بين الأذنين.
أما الوجه وما فيه مما لم يذكر في خلق الإنسان: “النواهق” وهما عظمان شاخصان في وجهه من الجبهة إلى المنخرين. “واللهزمتان”: ما اجتمع من اللحم في معظم الجبين. و” خيفاء”: التي حول مقلتيها بياض لم يخالف السواد”. وهكذا تأتي المسميات على العنق والكتف وجميع أعضاء الخيل مما يطول ذكره.
أوردنا في جزئنا الأول أنه يجب على محكم الخيل أن يتحلى بثلاث مواصفات؛ إحداها أن تكون لديه القدرة على تمييز العيوب واكتشافها في الخيل بسرعة، فتحديد العيوب يؤدي إلى تحكيم ناجح، ومن العيوب المعروفة في الخيل العربية تلك العيوب التي حددها أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي في كتابه “الخيل”. وهي العيوب التي يحتاج فهمها إلى متخصص عريف باللغة العربية. فالأصل في تحديد العيوب هو ما تراه العرب عيباً في الخيل، وعلى خبراء التحكيم العودة إلى كتب تراثنا العلمي العربي.
من كتاب “نهاية الأرب في فنون الأدب” للنويري نستعرض بعضاً من هذه العيوب، فمنها ما يكون من أصل الخلقة، ومنها العيوب الحادة التي تطرأ عليها وهي ليست من أصل خلقتها، فأما التي في خلقتها فمنها أن يكون الفرس” أخذى” وهو المسترخي أصول الأذنين. و”أمعر” وهو الذي ذهب شعر ناصيته. و”أسفى” وهو الخفيف الناصية، وهو محمود في البغال، و”أغم” وهو الذي غطت ناصيته عينيه. و”أسعف” وهو الذي في ناصيته بياض. و”أحوال” وهو الذي أبيض مؤخر عينه وغار السواد من قبل مآقيه…
من عيوب الخيل التي تطرأ عليها في جريها؛ فمنها “الطموح” وهو السامي ببصره صعداً. و”المنكس” وهو الذي يطأطئ رأسه إذا جرى. و”المعتزم” وهو الذي يجمح أحياناً. و”الجموح”: الصلب الرأس. و”الشموس”: الذي يمنع السرج والمس. و”الفيوش” هو الذي يظن به الجري، وليس عنده شيء منه. وأما العيوب التي تطرأ عليها وتحدث فيها فمنها: “الانتشار” وهو انتفاخ العصب. و”الشظي”: تحرك العظم اللاصق بالركبة. “الفتوق”: انفتاق من العصب على الأرضفة، ورضف الركبة ورضافها: ما كان تحت الداعضة، وهو عظم يموج فوق رأس الركبة…
يستحسن العرب أن تكون في الخيل أوصاف من عدد من الحيوانات، مثل الغزال والنعامة والثور والبعير والذئب والعقاب… وكل تلك الصور شرحت في كتب الأدب، فمثلاً من الغزال: طول وظيف رجليه، وعظم فخذيه، وعرض وركيه وشدة متنه. ومن النعامة قصر ساقيها وطول وظيفيها، ومن الثور عرض جبهته وقلة لحمها، وكحل عينيه، ومن العقاب سرعته… وهكذا. وقد وردت بعض تلك الصفات في بيتين جميلين من الشعر:
له صدر طاؤوس وفخذ نعامة ووثبة نمر والتفات غزال
واعجب من ذا كلما حط حافر يخط هلالاً من وراء هلال
مما يجدر ذكره أن الكتب المعاصرة، والموسوعات العلمية، وكتب الخيل والتحكيم، أخذت تقلد العرب بأن تضع صورة تخطيطة للحصان وربما حقيقية، وعليها مسميات جسم الحصان بكاملها. ومن الجميل أن يجمع المحكم بين المسميات الحالية، والمسميات التراثية، وحتى المسميات الحالية فهي مستوحاة من مسميات تراثية.
لابد للجواد أو الفرس من تقييم أولي، وهو عند العرب من باب الفراسة، حيث يعرض على المتفرس وهو في حالة الوقوف لتبيان حسن خلقه وجودة صفاته، وتأمل عظامه وأعضائه ومفاصله، وينظر إليه وهو في حالة الحركة، معنقاً، ومقرباً، ومحضراً، فالعنق هو أول المشي، والتقريب أن يرفع يديه معاً ويضعهما معاً، والحضر ارتفاع الفرس في عدوه، والمقياس في حركة الخيل عند العرب هو جودة الحركة في التقريب والحضر لسهولة تمييزها عن بقية الحركات.
هناك بعض الاستنتاجات المأخوذة من أعضاء الفرس أو من آثاره على الأرض أو من حكاية صوته: أولها الارتفاع المحتمل: فمن تجارب الأمير عبد القادر الجزائري أن تقيس من الركبة إلى منتهى منبت شعر الحافر، ثم من الركبة إلى أعلاها فإن كان ما قسته أولاً ثلث الثاني فقد تناهت الفرس في الارتفاع. ومن علامات كبر عمر الفرس استرخاء جحفلتها وتربيلها، واختفاء أنيابها، واختفاء السواد في وسط أسنانها من الفك الأسفل، وتسمى ماسحة، واغورار عينيها، وتناثر شعر بدنها.
التعرف على ذراع الفرس، وهي بعد خطواته في الأرض وقت إحضاره، فإن كان بعد ما بينهما ثنتي عشرة قدماً فهو الذريع الذي ليس في الخيل أذرع منه، وإن زاد على ذلك فلا يقدر على مثله، وإن كان قدره في الأرض سبع أقدام فهو بطيء، وما بين ذلك فهو وسط. والعرب لا تعتبر الفرس بكثير تحريكه لقوائمه وشدة مره في مرأى العين حتى يخيل للناظر بأنه سريع من اختلاطه، فالمقياس هو المسافة التي يقطعها في خطوة بالنسبة للزمن.
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الأول)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الثاني)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الثالث)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الرابع)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الخامس)
المصدر: كتاب “تحكيم الجواد العربي بين الأصالة والجمال”
الموضوع جداً مهم ويستحق المتابعة من جميع المربين والمحبين للجواد العربي لو ضاعفنا الجهود بالاهتمام بثقافتنا العربية الاصيلة وماكتبه العرب في الخيل العربية لكانت الريادة والمرجعية لنا في كل مايتعلق بالجواد العربي من تحكيم في الصفات والانتاج أتمنى أن يكون ذلك قريب.
كما نتمنى من الجهات المهتمة والمسئولة كمركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية ومنظمة الجواد العربي القيام بتنظيم برامج تدريبية عملية لشرح مثل تلك الموضوعات الهامة من قبل خبراء عرب.
شكرا لك ايها الاخ العزيز. نعم؛ الريادة والمرجعية لنا في كل ما يخص الخيل العربية، وهذه حقيقة لا تنكرها عين وإن كانت رمداء. لذلك لو رجعنا الى تراثنا العربي وتعمقنا فيه، فسنعود وتعود لنا امجادنا، وهذا التراث قد يراه البعض صعبا في فهمه، ولكن بشئ من العزيمة سنكتشف انه ممتعا حقا. وتعقيبا لما تمنيته في ختام كلامك؛ اضم صوتي الى صوتك، بأن تقام البرامج التدريبية من قبل خبراء عرب، وأكرر؛ خبراء عرب، فهم القدوة وهم الأصل.