سلسلة دروس شرح كتاب: (قانون صفات الخيل العربية) للأستاذ: عبد العزيز القرشي
رقم الدرس: ٧
١/ طول العُنُق:
قال الأصمعي: “ويُستَحب في الفرس أن تطول عُنُقه”. وقال أبو عبيدة: “ويُستحب طول عُنُقه. وعُنُقُه: ما بين ناصيته إلى عُذْرته. وعُذْرته: ما كان على كاهله من شَعْر عُرْفه. وذلك لحُسْنها، وشدتها، وحاجة الحامي إليها، والذكر أحوج إليها من الأنثى”. واستشهد أبو عبيدة على هذه الصفة بقول امرئ القيس:
يُرادَى على فَأْسِ اللِّجامِ كأنما
يُرادَى به مِرْقاة جِذْعٍ مُشََّذبِ
وقول عُقبة بن مُكْدِم:
في تليلٍ كأنه جِذْعُ نخلٍ
مُتْمَهِلٍّ مُشَذَّبِ الأكْرابِ
وفي كلام أبي عبيدة والأصمعي دلالة صريحة على استحباب طول العُنُق (الرقبة) في الفرس العربي، ولفظ الفرس عند العرب يُطلق على الذكر والأنثى، وقد حدد أبو عبيدة بداية العُنق ونهايته، فذكر أنه يقع بين الناصية والحارك (الكاهل)، وهذا لا يعني أن الناصية داخلة في العُنق، وإنما يعني أنها تحُدُّه من الأعلى، كما أن الحارك يحُده من الأسفل. فيكون العُنُق بذلك ما بين الرأس والكتفين والحارك. وقد شبه الشعراء طول العُنُق بجذع النخلة وهذا كثير في أشعارهم، والهادي والتليل في البيتين السالفين هما: العُنُق، وقد شبههما الشاعران بجذع النخلة المشذَّب من السَّعَف، والكَرَب هو أصول السعف الغليظة.
٢/ إشراف العُنُق:
قال الأصمعي: “ويُستَحب في الفرس أن تُشْرِفَ عُنُقه”. وقال أبو عبيدة: “ويُستحب إشراف هاديه. وهاديه: عُنُقه. وذلك لشِدَّتِه، وللحُسْن”. واستشهد أبو عبيدة على هذه الصفة بقول زهير بن ألي سُلمى:
ومُلْجِِمُنا ما إنْ يَنَالُ قَذَالَهُ
ولا قدماهُ الأرضَ إلاَّ أنَامِلُهْ
وقول طفيل الغَنَوي:
تُنِيفُ إذا اقْوَرَّتْ من القَوْدِ وانطوتْ
بهادٍ رفيعٍ يقهرُ الخيلَ صَلْهَبِ
وفي كلام أبي عبيدة والأصمعي دلالة صريحة على استحباب إشراف العُنُق في الفرس العربي، والإشراف هو الارتفاع والعُلوّ (وهو ما نسميه اليوم علو مغرز الرقبة مع طولها)، وهذا صريح في قول طفيل: (بهادٍ رفيع)، وكذلك في مشهد الرجل الذي يريد أن يضع اللجام على فرسه في بيت زهير، فهو لا يكاد يصل إلى قَذال الفرس(موضع سير اللجام خلف الأذنين) إلاَّ بعد أن يعتمد على أصابع قدميه، وذلك لارتفاع عُنُق الفرس.
٣/ إفْراعُ العلابي:
قال أبو عبيدة: “ويُستحب[…]إفراعُ عَلابيِّه، وشِدَّةُ مُرَكَّبِها في كاهله. وعِلْباواهُ: عصبتان تحت العُرْشَيْن، وعُرْشاه: مَنْبَتُ عُرْفه. وذلك أشد لِوَصْل العُنق في الكاهل أن تُفْرع عَلابيُّه إلى الكاهل إذا شَخَص فلا يكون فيه هَزْمَة”. واستشهد أبو عبيدة على هذه الصفة بقول أبي دُؤَاد:
ومنيفٌ غَوْجُ اللَّبَان يُرى منه
بأعلى عِلْبائِهِ إدْبارُ
وقوله أيضا:
إذا قِيد قَحَّمَ مَنْ قادَهُ
وَوَلَّتْ عَلابيُّهُ واجْلَعَبّْ
وفي قول أبي عبيدة هذا وشواهده دلالة صريحه على استحباب تفريع العلابي في العُنق، وهي تمتد من أعلى العُنق عند التقائه بالرأس إلى مدخلها في الكتفين والحارك. ومكانها -أعني العلابي- تحت العُرف من يمين ويسار، وظهور التفريع فيها (وهو عُرْضها) يكون في أعلى العُنق، وهذا صريح في قول أبي دؤاد: (يُرى منه بأعلى عِلْبائِهِ إدْبارُ)، وهو يخصِّص العموم في البيت الثاني، ولا يظهر تفريع العلابي في الغالب إلا إذا تحرك الفرس وقوّس عُنُقَهُ، وهذا ظاهر في قول أبي دُؤَاد: (إذا قِيد قَحَّمَ مَنْ قادَهُ وَوَلَّتْ عَلابيُّهُ واجْلَعَبّْ)، واجلعب يعني امتدّ على الأرض ومضى في السير، وهذا يدل عليه الواقع كذلك. وأما اتصال العلابي، وشدتها، من أعلى العُنق إلى مدخله في الكتفين والحارك، فلكي لا يكون في العنق ضعف أو هَزْمَة إذا نصبها الفرس وشخص بها، (يعني انكسار من وسط العنق أو رقبة مقلوبة كما نسميها اليوم).
وبعد أن عرفنا الفرق بين صفة طول العنق وإشرافها في الفرس العربي، فهل هما متلازمتان؟ يعني هل يلزم من طول العُنق إشرافها أو العكس؟ الأقرب أن الطول لا يلزم منه الإشراف، بخلاف الإشراف فإنه يلزم منه الطول. فالعُنق قد يكون طويلا ولا يكون مشرفا، ولكنه إذا كان مشرفا فإنه لا بد أن يكون طويلا، وذلك أن الارتفاع يلزم منه الطول ولا يلزم من الطول الارتفاع. وبهذا يكون كل عُنُقٍ مشرفٍ طويلاً، وليس كل عنقٍ طويلٍ مشرفًا.
والأقرب أن طول العنق وإشرافها وإفراع علابيِّها من الصفات المشتركة بين وظائف الركوب ووظائف الزينة في الفرس العربي؛ لتنصيص أبي عبيدة على أنها مرغوبة للشدة والحُسْن كما تقدم، إلاَّ أن قِصَر العُنق قد يُخرج الفرس من دائرة العِراب، وذلك لأن سلمان بن ربيعة الباهلي هَجَّن فرسَ عمرو بن معد يكرب بسبب قصر عُنقه، واستدل على قصر العُنق بثني الفرس لسُنْبُكِه(طرف الحافر) عند شرب الماء، فإذا ثنى الفرس إحدى يديه عند شرب الماء فهذا دليل على هُجنته، وأنَّ الهُجنة جاءته من قِبَل قصر عُنقه، ولذلك قال ابن قُتبة: “وقد فرق سلمان بن ربيعة الباهلي بين العِتاق والهُجُن بالأعناق، فدعا بطَسْتٍ من ماء فوُضعت بالأرض، ثم قُدمت الخيل إليها واحدا واحدا، فما ثنى سُنْبُكَهُ ثم شرب هَجَّنَهُ، وما شرب ولم يثْنِ سُنْبُكَهُ جعله عَتيقًا، وذلك لأن في أعناق الهُجُن قِصَرًا، فهي لا تنال الماء على تلك الحالة حتى تثني سنابكها”. ولكن ليس كل قِصَرٍ في العُنق هُجنة، فهناك قصر يُعَدُّ في العيوب كما في قول أبي عبيدة في معرض كلامه عن العُنق: “[…] ولا يكون فيها تَلْيقيفٌ، ولا وَقْصٌ، ولا إرْهاف[…] والتلقيف: استدارة العُنق وقصرها، وكُرِه ذلك للضعف، والقُبح”. فهذا القصر المكروه القبيح، الذي يُخلُّ بوظائف الركوب والزينة؛ يُشترط فيه إلاَّ يثني الفرسُ معه إحدى يديه عند تناول شيء من سطح الأرض؛ وإلاَّ خرج به من دائرة العيب إلى دائرة الهُجنة. وعلى هذا تدور العُنق بين ثلاثة صفات:
- الطول، وهو المستحب لوظائف الركوب والزينة (الجودة والحُسن)
- القِصَر(العيب)، وهو المكروه في وظائف الركوب والزينة، وضابطه ألاَّ يثني معه الفرس إحدى يديه عند تناوله شيئاً من سطح الأرض.
- القِصَر(الهُجنة)، وهو المخرج للفرس من دائرة العِتق والعروبة، وضابطه أن يثني الفرس إحدى يديه عند تناوله شيئاً من سطح الأرض.
ويحْسُن أن نفرق في صفة العُنق بين الفرس الذكر والفرس الأنثى، فالأقرب أن عُنق أقصر من عُنق الذكر، وأقلُّ إشرافا منه، لقول أبي عبيدة في معرض كلامه عن طول العُنق كما تقدم: (والذكر أحوج إليها من الأنثى). أي أحوج إلى طول العُنق من الأنثى. ويدل على ذلك أيضا أصل التفريق عند العرب بين الذكر والأنثى كما سيأتي معنا في الدروس إن شاء الله، وكذلك يدل على ذلك الواقع الذي نستأنس به ولا ننطلق منه. وإذا كان الأقرب أن الأنثى أقصر عُنقا من الذكر، فإنها سوف تكون أقل حاجة إلى إفراع العلابي وتقوس العُنق من الذكر، ومن ثمَّ تكون عُنُقها مصبوبة(مستقيمة)، وقد ألمح أبو عبيدة إلى ذلك بقوله في معرض كلامه عن عيوب العُنق: “والإرهاف: رقَّة العَلابيِّ، وقلة لحم العُنق، والعُرْشَين، وذلك ضعف، والأنثى أشد احتمالا له من الذكر”. وهذا الذي يتناسب مع الأنثوية، ولذلك فالذكر أحوج من الأنثى لإفراع العلابي، وتقوس العنق، لأن إفراعها وتقوسها يدل على ذكوريته. وإفراع العلابي يخدم في وظائف الزينة أكثر من خدمته في وظائف الركوب، ولذلك قال أبو عبيدة: “وقد يكون مصبوب العلابي وهو شديد مُركَّب العُنق في الكاهل”. يعني قد تكون علابي الفرس الذكر ليست مُفرِّعة أو عريضة، وتكون مع ذلك شديدة.
وبلغة سهلة ومختصرة، فالمستحب في عُنق الفرس العربي أن يكون طويلا، مرتفعا، عريضا ممتلئا من أسفله، يتدرج في الدقة باتجاه الرأس، وأدق ما يكون فيه أعلاه عند التقائه مع الرأس، شديد الاتصال بالكتفين والحارك، شديد العضلات والعلابي، مكتنزا لا غليظا ولا رهيفا، عالي مغرس العنق، يتقوس عُنقه وتعرض علابيه كلما اتجهنا إلى الرأس. وكل هذا في الذكر أوجب من الأنثى، ويُغتفر فيهما ما لم يؤثر في وظائف الركوب أو الزينة. وهذه ليست كل صفات العُنق، فهناك صفات أخرى سنعرض لها لاحقا في حينها بإذن الله.
وسنختم هذا الدرس بضابط مهم سنصطحبه معنا طيلة دروس هذا الكتاب، وهو يتعلق بالحكم على الصفة المفردة في داخل إطار النَّسَق العام لجسم الفرس، فالفرس العربي من أخص خصائص الجودة والحُسن فيه هو تناسقه العام، وتناغم صفاته مع بعضها في النهوض بوظائف الركوب والزينة، ومن ثم لا يصح أن نحكم على الصفة خارج هذا الإطار، فطول العُنق وإشرافها وما يُستحب فيها من صفات يحكمه تناغمها مع الشكل العام للفرس، فقد يكون الطول عيبا إذا أخل بالنسق العام، وهكذا بقية الصفات.
ملحوظة:
المقصود هنا عرض الدرس بلغة سهلة ومختصرة دون إثقاله بطريقة المعالجة والاستدلال، ولذلك فالدرس لا يُغني عن الكتاب لمن أراد التوسع، علمًا أن الكتاب موجود في جميع فروع المكتبات التالية: جرير، العبيكان، الرُّشد.
عشره على عشره ….جهد مشكور … جزاء الله خير الجزاء…… نادر الجعيدى
شكراً على تعقيبك.
استاذي
ممكن تفيدنا بالقياسات اللي ممكن نقول فيها انه الخيل رقبتها هذي رقبتها قصيرة او طويلك او مشرفة