إن المعرفة الناضجة هي وليدة تراكم معارف وعلوم عبر التاريخ البشري؛ وهذه المقولة تكشف لنا عن القصور الكبير الذي يعتري المعرفة (العربية) المعاصرة بالخيل العربية، فمن يستطيع أن يذكر لي مربيا عربيا واحدا قيد لنا تجربته الإنتاجية التي أمضى فيها ٤٠ أو ٣٠ أو ٢٠ سنة أو أقل من ذلك أو أكثر؟! أليست هذه السُّنون -على كثرة المربين والمنتجين العرب- حافلة برصيد هائل من التجارب والأفكار والملاحظات؟! لماذا بقيت هذه التجارب حبيسة المرابط والمجالس الخاصة؟! لماذا لم تُذَع على الملأ يقرأها الشرقي والغربي، والصغير والكبير؟! لماذا يشعر الباحث العربي بالفقر المعرفي إذا نقّب عن هذه التجارب ليقتبس منها علما أو يبني عليها معرفة؟!
إن الجواب على هذا التساؤل يكمن في الثقافة العربية نفسها؛ الثقافة التي لم تصنع ثقافة الكتابة عند المربي العربي كما صنعتها عند المربي الغربي، الثقافة التي لم تعلّم المربي العربي أن كتابة تجاربه وتأملاته وأفكاره تُعدُّ مشاركة مهمة في بناء صرح علم الخيل العربية. كم هي الفائدة الكبيرة التي قدمها المستشرقون الغربيون، عندما قيدوا لنا رحلاتهم في جزيرة العرب وفي الشام والعراق؟! لنتخيل أن هؤلاء الرحالة لم يكتبوا هذه الملاحظات والمشاهدات عن الخيل العربية، هل كان بإمكاننا -باستثناء بعض الشعر النبطي الذي لم يصل إلينا أكثره- أن نتعرف على كثير من صفات الخيل العربية في القرن التاسع عشر وما بعده عند قبائل عنزة وشمر وما جاورها؟! لنتخيل -ولو للحظة- أن عباس باشا لم يكلف لجنة رسمية لتقييد نسب الخيل التي جمعها من جزيرة العرب، هل كنا اليوم سنتمتع بأفضل ثروة (خيلية) عربية تصلنا بتاريخنا القديم؟! إنها الكتابة والكتابة فحسب، (أقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم).
إن انعدام كتابة التجارب الإنتاجية العربية عند المربين العرب ظاهرة يجب أن نتجاوزها في السنوات القادمة، لننتقل بتجاوزها من دائرة الإنتاج الفردي الذي تحكمه الرؤية الخاصة والنظرة الضيقة، إلى دائرة الإنتاج الجماعي المدروس، الذي تحكمه التجارب المتلاقحة والمتراكمة، المبنية على البحث العلمي والفحص الدقيق، ومهما تكن قدرة المربي العربي وعمق تجاربه الخاصة فأنها تبقى محدودة، وتحتاج أن تتلاقح مع رؤى الآخرين وتجاربهم، وبقدر انفتاح المربي بتجاربه وأفكاره الخاصة على الآخرين يكون نضجه المعرفي أقرب إلى الصحة، ويكتشف المناطق المعتمة في تجاربة وأفكاره، ودون هذا الانفتاح والتقارب سيبقى المربي العربي -سنين عددا- أسيرا لأخطائه لأنه لم يرَ وجهه يوما في المرآة، ولم يعرِّض نفسه لأشعة الشمس.
إن كتابة التجارب الإنتاجية الخاصة ونشرها على الملأ مهما كان حجمها هي الضمانة الوحيدة لتلاقحها مع تجارب الآخرين، وهي الطريق الأمثل لتخصيبها من لدن الباحثين والمحللين، أما إذا بقيت هذه التجارب والرؤى حبيسة عند أصحابها، فإن الخاسر هي الخيل العربية ومعرفتها وعشاقها، حيث سيبقى هذا العلم يعثر في ثوب الجهل، وسنفوّت على أنفسنا فرصة تطوير الخيل العربية والارتقاء بها، فهل يسمع مربوا الخيل العربية وعشاقها هذا النداء؟! أرجو ذلك وأتمناه.
أخي الكريم
ليس فقط في مجال الخيل بل كل المجالات ففي عهد هارون الرشيد كانت المطابع تنتج من الكتب مايظاهي انتاج الدول العظمى الان
ولاكن اختلف الحال ، فنحن لدينا المال ومالك المال العربي يفظل الشراء ويترك الكتابه والتفكير والبحث لغيره من الاعاجم وغير المسلمين
وتجد ايظا هذا النهج في الجامعات ففي الجامعات الغربيه تنتج الاف البحوث في السنه ، ولاكن هنا عدد ضئيل من البحوث واغلبها نسخ لصق ، وانا اقترح على الجهات الرسمية المسؤولة ان تبادر بهذا الامر وليس فقط بالاهتمام بكبر البناء وفخامته والامور الظاهره وترك الجوهر .
تحياتي لك
شكرا أبا ريم على مرورك الكريم
بالفعل المعرفة العربية بالخيل تحتاج إلى دعم من رؤوس الأموال العربية ولا سيما عشاق الخيل العربية ودون هذا الدعم الاهتمام ستبقى المعرفة العربية متأخرة كثيرا عن التربية والإنتاج
الكاتب يحتاج إلى جو ودعم. إذا عندنا المربي مضطر أنه يركض سنة حتى يرقموا له مهر وسنة حتى يصدروا له تأشيرة سائس . فالدعم غير موجود للمربي اللي يلعبوا بحسبته في جسر البحرين بسبب مكملات غذائية ويردوه من حيث أتى. راح يكتب لك تجربته المريرة عن تربية الخيل في ربوع الجزيرة. يا أخي خلك واقعي. المربي الغربي تتوفر له كل التسهيلات بينما يتم تعطيلك في الجمرك وابتزازك إذا كنت ساحب عربة خيل. أنت تعرف أنه في خيل نفقت بسبب الوقت الطويل التي قضته في إحدى المنافذ الحدودية. نحن نريد كتابا يكتبون عن هذه المشاكل وأن يتم حلها حتى يحق لنا القول بأننا مقصرون في تدوين تجارب تربية الخيل.
حياك الله أخي ثامر..
أنت محق فيما تقول، لكن يجب ألا نستسلم لضعفنا وواقعنا البائس، فأنا وأنت وفلان من الناس مسؤولون عن تغيير الواقع المحبِط، ولو تخلينا عن الصبر على مواجهة واقعنا ومحاولة تغييره فإن النتيجة هي مزيد من الاستمرار في هذا الواقع المرير، ونحن نحتاج أن يكثر الكتاب والنقاد والمرشدون في كل مجالات الخيل العربية، وليس التخلي عن جانب على حساب الكتابة في جانب. ولك شكري وتقديري.
لا فض فوك يا أخا العرب..
ذكرت أخي العزيز عبدالعزيز ان الغربيين قد نقلوا إلينا بأقلامهم ما حدث في القرن التاسع عشر وما بعده، ونحمد لله على ذلك، وكما قلت لو تخلينا ان ذلك لم يحدث، فما حجم المصيبة التي ستقع على خيلنا الحبيبة. وبنفس المقياس فإني أرى أن المصيبة ما زالت قائمة، فإن سألنا أنفسنا عن من سينقل للأجيال القادمة تجارب وأفكار هذه الأيام؟ أقول؛ ما زلنا نضع أقدامنا على دواسة الفرامل، على الرغم من أننا نتمنى أن نسابق الريح. لأن المربين ما زالوا محجمين عن كتابة وتوثيق تجاربهم الانتاجية، فيما عدا الكتاب والباحثين والاساتذة وغيرهم، إلا ان الفرق كبير .. فالكتاب غير المربين قد تكون كتاباتهم دائرة حول موضوعات معينة، بعكس اولئك الملتصقون بهذه الكائنات الرائعة التي لو كانت تدري ما المحاورة اشتكت، ولكانت لو علمت الكلام تكلمت.
لعل أخي عبدالعزيز من أسباب الإحجام عن الكتابة بالإضافة لثقافتنا العربية التي لم تصنع ثقافة الكتابة عند المربي العربي كما ذكرت؛ لعل هناك سبب له علاقة بشيء من الحياء أو ما شابه هذه الكلمة، أو قريبا منها، في اعتقادي ومن وجهة نظري. بمعنى أن أحدهم قد يحدث نفسه قائلا: “لو كتبت عن تجربتي الانتاجية هل سيُفهم قصدي، وهل ستصل فكرتي، وأنا لست مختصا بالكتابة….”!.
ومن هذا المنطلق أوجه رسالتي لهؤلاء المربين: أكتبوا عن تجاربكم ووثقوها .. بأية لغة اكتبوها .. بالعربية أو بالدارجة، أو كيفما شئتم .. فقط اعلموا أن أفكاركم سوف تصل، فالذي نبع من القلب سيصل القلوب .. بمشيئة الله، والذي (علم بالقلم) سيكون عونا لكم.
شكرا لك ولقلمك المبدع استاذي القرشي.
الشكر لك على مرورك الكريم أخي عبد الباقي، وأنت من المهتمين بالكتابة عن شؤون الخيل العربية مع ندرة من يكتب في هذا الميدان، فعسى أن يكثر سواد الكتاب، وأن نخرج من دائرة الإحجام والخوف أو الحياء من الكتابة كما ذكرت إلى دائرة المبادرة والشجاعة، وأن نرى مؤسسات علمية عربية تهتم بالبحث العلمي في هذا الحقل اليتيم.
الخيل العربية تحتاج إلى من يحفظ الخبره ويتوسع في البلوغ إلى الفهم الشامل لكل أحوال الخيل في المزاجيه والأنسجام والحالات الوراثيه وكثير من الأمور وأن يكون المنتج أقرب من السايس في الفهم للخيل وما تتطلبه الكيفيه في التحديد لكل فئه من الخيول في الطبائع الوراثيه والمزاجيه ونقل السلاله وتكوين التسلسل / الشكر والتقدير لكل من أسهم في ما لديه وحرص على قيمة الخيل الأصيله
صدقت أيها الحر وشكرا على مرورك المريم
والشكر موصول للجميع إستاذ عبد العزيز/تحاتي وتقديري