ها نحن ذا بين يدي مثل جديد، بقصتين مختلفتين، فالقصة الأولى بطلها فارس وفرس، فأما الفرس فيقال إن اسمها “خصاف” على وزن كتاب، وأما الفارس فهو سفيان بن ربيعة الباهلي. وخلاصة القصة أن كسرى وجه جندا عظيما من المرازبة (جمع مرزبان وهو رئيس الفُرْس، أو الفارس الشجاع المقدَّمُ على القوم، وهو دون الملك في الرُّتبة)، فهابتها مضر هيبة شديدة لما رأوا من سلاحهم وقوتهم، بخاصة نشابهم. وقالوا: لا يموت هؤلاء أبدا. وكان سفيان بن ربيعة واقف على فرسه خصاف إذ جاءت نشابة فوقعت عند حافر الفرس، فقال سفيان: إن كادت هذه النشابة لتصيبني. ثم نظر إليها تهتز في الأرض ساعة، فنزل فحفر عنها، فإذا هي وقعت في رأس يربوع فقتلته، فقال:
ما المرء في شيء … ولا اليربوع في شيء مع القضاء
وحمل سفيان على المرزبان، وقد زعم أن سنان رمحه يومئذ قرن ثور من بقر الوحش، فطعنه بين ثدييه حتى أخرج سنانه من بين كتفيه. ثم قال: يا لقيس إنهم يموتون. فقالت العرب: لأنت أجرأ من فارس خصاف. لأنه قتل فارسا لا يشق له غبار. فصارت مثلا.
وأما الرواية الأخرى لهذا المثل؛ فقد قيل إن “خصاف” بفتح الخاء على مثال قطام، كان حصانا لمالك بن عمرو الغساني، وكان مالك فيمن شهد يوم حليمة (معركة درات بين الحارث بن جبلة الغساني، وملك الحيرة، بمرج يسمى حليمة – سمى على اسم ابنة الحارث)، فأبلى مالك بلاء حسناً، وجاءت حليمة – وكانت من أجمل النساء – تُطَيّب رجال أبيها من مِرْكن (إناء كبير) فلما دنت من مالك غازلها، فشكت ذلك إلى أبيها، فقال: هو أرجىً رجل عندي فدعيه، فإما يقتل أو يُبْلي بلاء حسناً. وهذا يدل على مكانة الفارس وفرسه. ولهذا سمى مالك فارس خصاف، ويُقال: أجرأ من فارس خصاف، بسبب هذه القصة.