أرخ المتحف البريطاني للخيول الكائن بمنطقة نيوماركت معقل سباقات الخيول في المملكة المتحدة؛ تاريخ الخيول العربية، الأمر الذي كشف مدى إهمال الوطن العربي في إنشاء مثل هذه المتاحف التي تؤرخ تاريخنا المجيد.
احتوى المعرض على عدد من الوثائق الهامة والمستندات التي تؤكد دور الخيل العربي في إثراء الغرب بأفضل السلالات التي كان لها تأثير كبير في سباقات الخيول. وأدى النقص الحاد في سلاح الفروسية، إلى أن يقوم هنري السابع، بوضع برنامج لتطوير الخيول العربية وتحسين صفاتها وقدراتها وخاصة التي تم استقدامها من إسبانيا وإيطاليا. ووضعت الإسطبلات الملكية خطة في القرن السادس عشر من أجل توليد خيول خفيفة الوزن وسريعة العدو يمكن استخدامها في سباقات الخيل.
تحسين النسل
ومنذ القرن الثامن عشر بدأ استقدام الخيول العربية من الجزيرة العربية والتي ساهمت في تحسين أنسال الخيول المهجنة في بريطانيا.
وكما هو معروف فإن كل الخيول المهجنة الأصيلة تعود سلالتها إلى الجزيرة العربية وإلى الفحول العربية الأصيلة والتي انتقلت من الشرق إلى الغرب . وجودلفين كان اسماً لواحد منها وأصله من اليمن، والثاني يعود إلى تركيا، والآن فإن جودلفين يتمدد في أربع قارات بدءاً من دبي إلى أوروبا وأستراليا وأميركا، والكل يعمل ويخطط ويعتني ويربي ويدرب ويحلم ويعمل كل ما في وسعه لاكتشاف وتربية الحصان الأمثل.
وتمثل السباقات رياضة الفرق في أبهى مظاهرها. ويمثل جودلفين تعبيراً عن رؤية عالمية مشتركة من أجل سرعة وجمال هذه الحيوانات النبيلة.
ولعبت الفحول الثلاثة دوراً هاماً في إنتاج سلالات مميزة للخيول المهجنة ساهمت بدور كبير ومميز في إثراء سباقات الخيول البريطانية بسلالات شهيرة ومتميزة. وتذكر وثائق المتحف البريطاني للخيول في نيوماركت دور الخيول العربية في إثراء سلاح الفرسان في بريطانيا بسلالات طيبة ساهمت في تطور مستواه وأدائه.
جودلفين
وتضمن المتحف تعريفا بالفحول الثلاثة التي انتجت أفضل السلالات في بريطانيا، اهمها «جودلفين» الذي ينحدر من الصحراء العربية حيث تم توريده إلى بريطانيا ليصبح أحد ثلاثة فحول مؤسسة لسلالة خيول الثوربريد الحديثة. لقد كان هذا الجواد الأصيل أحد أروع الخيول العربية في القرن الثامن عشر وقد سطر نجاحا باهرا في تحسين النسل بالإسطبل في إنجلترا.
جودلفين أربيان نال لقب أفضل فحل في إنجلترا عدة مرات خلال أعوام 1738، 1745، و 1747. لقد كان تأثيره عظيما في سلالات الخيول هناك حيث إن الخيول الفائزة في أول 76 سباقا كلاسيكيا في بريطانيا تمت إليه بصلة النسب بشكل مباشر.
وتقديرا لإنجازاته ودوره الحاسم في تطوير تلك السلالة فإن الإسطبل الرئيسي لعائلة آل مكتوم في سباقات الخيل يحمل اسم هذا الفحل التاريخي تيمنا به وتخليدا لذكراه العطرة. ولد الجواد (جودلفين أربيان) باليمن في 1724 من نسل (جيلفان)، وهو مهر بني اللون وله حجول بيضاء صغيرة في أعقابه الخلفية ويبلغ طوله 14.3 شبرا.
رحلة طويلة
جرى تصدير (جودلفين أربيان) إلى تونس عن طريق سوريا ضمن أربعة خيول قام الحاكم في تونس بإهدائها إلى ملك فرنسا، حيث تم أخذ ثلاثة من هذه الخيول إلى الغابات البريطانية وإعدادها لتحسين السلالات المحلية.
أما الخيل الرابع فيعتقد على نطاق واسع أنه كان يجر عربة في شوارع باريس حيث ذكر أن البريطاني ادوارد كوك قد اشتراه وهو في السادسة من العمر مقابل 3 جنيهات استرلينية، غير أن رواية أخرى تشير إلى أن كوك حصل على الجواد عن طريق المحكمة الفرنسية من خلال دوق مقاطعة اللورين، وسواء صحت هذه الرواية أو تلك فإن كوك ارسل الجواد الذي اشتراه إلى مزرعته في لونجفورد هول في داربيشاير.
بوفاة كوك في 1733 عن عمر بلغ 32 عاما فقط، أوصى بخيوله إلى روجر ويليامز، صاحب مقهى سانت جيمس في لندن والذي كان يعمل أيضا في تجارة الخيول، ومن ثم قام ويليامز ببيع الجواد العربي المسمى آنذاك (شامي) إلى فرانسيس، الذي كان يشغل منصب المالك الثاني لجودلفين؛ ومن ثم عرف الخيل باسم (جودلفين أربيان)
مواصفات خلابة
ذكر شاهد عيان أن دو مانتي، الذي شاهد الجواد العربي في فرنسا، وصفه بأنه: «جميل القوام، متناسق الأعضاء بشكل ممتاز، ضخم العراقيب، حسن التقويس، له أرجل في صلابة الحديد، وليس فيه من عيب سوى أنه عنيد.
كما إنه كان عريض الأرجل على الرغم من أنها مسلوبة اللحم، ومرفوع الذيل حسب الطراز العربي الأصيل، وربما كانت الحالة السيئة التي شوهد فيها ناجمة عن رحلته من تونس. بعد ذلك كتب المؤلف المرموق والجراح البيطري وليام اوسمر يقول: «ليس هناك ثمة حصان آخر يتمتع بالمقومات القياسية المطلوبة في السباقات مثل (جودلفين أربيان). هذا الحصان يتمتع بأكتاف اكثر عمقا وتمتد بعيدا إلى منطقة الظهر بالمقارنة مع أي خيل شوهد حتى الآن، ولا توجد خلف الكتفين سوى مساحة صغيرة للغاية قبل الوصول إلى عضلات الخاصرة التي تتسم بقدر كبير من الارتفاع مع العرض والتمدد لتتداخل مع قوائمه بقوة اكبر من أي خيل شوهد حتى الآن».
إنجازات تاريخية للسلالات العربية
ليس هناك أي سجل لأي سباقات قد خاضها (جودلفين أربيان) كما لا توجد أي آثار لنسبه، ومع ذلك فقد حقق نجاحا باهرا في التهجين، وعلى الرغم من انه أب لحوالي 80 فقط من الأفلاء على مدى عمره في التهجين الذي امتد 22 عاما، فقد تصدر قوائم الفحول من حيث الإنجازات ثلاث مرات في كل من عام 1738، و1745، و1747.
تم تشبية الفرس المميزة النسب (روكسانا) المولودة في 1718 ابنة الفحل البارز (بالد جالوي) من فرس أخت (شانتر) بواسطة (جودلفين أربيان) لتنتج المهر الكميت (لات) المولود في 1732 والذي لم يهزم قط، ويعتقد انه أفضل خيل شوهد في نيوماركت منذ (فلاينج شيلدرس) في 1715؛ ثم انجبت المهر الكميت (كيد) المولود في 1734 الفائز في سباق كنجز بليت في نيوماركت، لكن وللأسف نفقت (روكسانا) بعد أسبوعين من ولادة (كيد) والذي تعين تربيته بحليب الأبقار.
بعد ذلك هيمن ثلاثة من أبناء (جودلفين أربيان) على صدارة قائمة الفحول على مدى 20 عاما تقريبا، وتصدر (كيد) القائمة خمس مرات، بينما تصدرها المهر الكميت (ريجلاس) المولود في 1739 ثماني مرات، والمهر الكميت (بلانك) المولود في 1740 ثلاث مرات، ومع ذلك فإن ابن الفحل (كيد) المهر الكميت (ماتشم) المولود في 1748 والفائز في ثمانية سباقات والمتصدر كفحل لثلاث سنوات متتالية بدءا من 1772، هو الذي يعود إليه الفضل في المحافظة على نسب الأب.
نفق (جودلفين أربيان) في منطقة جوج ماجوج بالقرب من كمبريدج في ديسمبر 1753 عن عمر يبلغ 29 عاما وأقيم له تأبين رسمي ودفن مبجلا تحت مدخل احدى بوابات الإسطبل ونصبت مسلة صخرية للإشارة إلى قبره ما زالت قائمة حتى الآن في واندلبري رينج. ويذكر أن قطة الإسطبل التي تدعى جريمالكن التي تظهر دائما في اللوحات المرسومة للجواد والتي ارتبط معها بصداقة طويلة قد ماتت بعد فترة قصيرة حزنا على مفارقة (جودلفين أربيان).
يمكن رصد التأثير الدائم للفحل (جودلفين أربيان) في انساب الأجيال اللاحقة من حقيقة انه وبعد مرور 50 سنة على نفوقه لوحظ أن جميع الخيول الفائزة بأول 76 سباقا كلاسيكيا بريطانيا تمتّ إليه بصلة في نسبها، وعلاوة على ذلك فإن جميع الأفراس (عدا ثلاثة) المولودة في أو قبل 1803 اللاتي انجبن خيولا فائزة بسباقات كلاسيكية ورثن أيضا جينات من (جودلفين أربيان).
سلالات أخرى
كما ضم المتحف أيضا، وصفاً لـ «دارلي أرابيان» الذي اشتراه توماس دارلي من حلب في سوريا عام 1704م، و من مواصفاته أنه معنقي حدري، والحدري هو السبيلي وهو رسن عند ابن سبيل قديماً انتقل إلى ابن حدري وصار الحدرجي أو الحدراني أو الحدري نسبةَ له، والمعنقية اصلها أم عرقوب مربط عند الدويش قديماً اغتنمها من بني خالد في إحدى المعارك وقطع بنو خالد عرقوبها ولكن الدويش عالجها حتى طابت وجعلها مربطاً.
وأم عرقوب عدها ابن الكلبي من انساب الخيل الخمس ويتضح من تاريخ ابن الكلبي أن مسمى أم عرقوب كان قديماً ولم تسمَّ عند الدويش بهذا الاسم بل اسمها أم عرقوب في السابق وهي التي قيل عنها “ام عرقوب مابها عذروب”.
وأيضا هناك «بيرلي تورك» والذي استولى عليه الكابتن بيرلي في معركة بودا على نهر الدانوب ضد العثمانيين عام 1686م وسمي هذا الحصان باسمه.