بلغ من عناية العرب بالخيل أنهم وضعوا لكل شيء من أطوارها وأصواتها ومشيها وعدوها ألفاظًا شتى اختصوها دون غيرها، ولم تبزهم في ذلك أي لغة أخرى .
مراحل عمرها. يسمى وليد الفرس إذا ما وضعته أمه مُهرًا ثم فُلْوًا. وبعد أن يبلغ من العمر سنة واحدة فهو حولي ثم في الثانية يسمى جذعًا والثالثة ثَنيًا، فإذا أتم الثالثة ودخل الرابعة سمي رباعًا، وفي الخامسة قادحًا حتى يبلغ الثامنة وهي نهاية القوة والشدة، ثم يأخذ في النقص إلى الرابعة عشرة، فإن تجاوزها إلي نهاية عمره يسمى مُذَكىً. وعلامات كبرها استرخاء جحفلتها واختفاء أنيابها واغورار عينيها.
أصواتها. إذا خرج الصوت من الفم سمى شخيرًا، وإذا خرج من المنخريْن يسمى نخيرًا، وإذا خرج من الصدر يسمى كريرًا. وأنواعه ثلاثة: أجش وصلصال ومجلجل. ومن أصواته الصهيل، وهو صوت الفرس في أكثر أحواله خاصة إذا نشط والجلجلة أحسن أنواع الصهيل، وتخرج صافية مستدقة. وهناك الحمحمة وهي صوت الفرس إذا طلب العلف أو رأى صاحبه فاستأنس به. ومن أصواتها الضبح وهو صوت نفس الفرس إذا عدا، وقد ذكرت هذه الصفة في القرآن في قوله تعالى ﴿والعاديات ضبحًا﴾ ، وهو ليس بصهيل ولا حمحمة. والنثير صوته إذا عطس، والصوت الذي يخرج من بطنه يسمى البقبقة، والقبع صوت يردده من منخره إلى حلقه إذا نفر من شيء أو كرهه. أما الجشّة فصوت غليظ كصوت الرعد.
المشي والعدو. كما وضع العرب أسماء لأنواع أصوات الحصان، وضعوا كذلك مصطلحات لأنواع مشيه وعَدْوِه وجريه. ومن ذلك الضَّبر وهو إذا وثب الحصان فجمع يديه، وإذا باعد بين خطاه وتوسع في مشيه فيسمى العنق، وإذا عكس ذلك بأن قارب بين خطاه فتسمى المشية عندئذ الهملجة، أما إذا عنق مرة وهملج أخرى فذلك يسمى الارتجال، وإذا قبض رجليه وراوح بين يديه واستقام جريه فهو الخبب، وإذا خلط العنق بالخبب فيسمى التّقدّي، وإذا لوى حافريه إلى عضديه فذلك الضّبع. أما إذا كان أثناء جريه يضع يديه ويرفعهما في آن واحد فيسمى التقريب. وإذا جمع في جريه بين التقريب والخبب فذلك العُجَيلي. والإمجاج هو أن يأخذ في العدو قبل أن يضطرم والإحضار أن يعدو عدوًا متداركًا، والإرخاء أشد من الإحضار، والإهذاب أن يضطرم في عدوه، والإهماج هو قصارى جهد الفرس في العدو. على ذلك يكون ترتيب العدو كالآتي: الخبب، فالتقريب فالإمجاج فالإحضار فالإرخاء فالإهذاب ثم الإهماج.
ومن الألفاظ الأخرى التي يتواصل بها الفارس مع جواده ومنها ألفاظ الزّجر، ومما استعملته العرب في ذلك يَهْياه وهَلْ وأرحب وأقدِم وهب. وكان يقال في إسكاته وكفه عن الحركة والمرح هلا. ويفهم الجواد الأصيل كل إشارة أو صوت يصدر من صاحبه كما يفهم الصّفير عند شرب الماء. وقالوا في ذلك ¸عاتبوا الخيل فإنها تعتب·، أي أدّبوها فإن فيها قوة تدرك بها العتاب أمرًا ونهيًا .
أسماء عتاق الخيل. حظيت عتاق الخيل في كلام العرب بنصيب وافر من الألفاظ التي تدل على عتقها وكرمها؛ من ذلك الجواد الطِّرف الحسن في طول المقابل في الجياد من أبويه الحسن المظهر، واللهموم الجيد الحسن الخلق والصبور في العدو الذي لا يسبقه شيء طلبه ولا يدركه من جرى خلفه، والعنجوج الجيد الخلق الحسن الصورة في طول، والهذلول؛ الطويل القوي الجسيم، والذّيّال؛ الطويل الذيل، والهيكل؛ العظيم الخَلْق الحسن الطلعة، والنهد؛ الجواد العظيم الشديد الأعضاء عظيم الجوف، والجرشع؛ العظيم الخلْق الواسع البطن والضلوع، والخارجي؛ الجواد العتيق بين أبوين هجينين، والبحر؛ الكثير الجري الذي لا يصيبه التعب، وأول من أطلق هذا المصطلح الرسول ³، والمسوّم؛ الذي لديه علامة ينفرد بها عن غيره، والسابح الذي يرمي يديه قدمًا إذا جرى، والمطهَّم؛ التام الحسن الخلق، والمجنَّب؛ البعيد ما بين الرجليْن من غير اتساع، والجموح؛ النشيط السريع. والهضب؛ كثير العرق، والشّطب؛ الحسن القد، والعتيق والجواد؛ إذا كان كريم الأصل رائع الخلق، والمُعْرِب؛ إذا لم يكن فيه عرق هجين، والطموح؛ ما كان سامي الطرف حديد البصر، والسّكب؛ الخفيف السريع الجري وبه سمي أحد أفراس الرسول (ص).
ألفاظ للذم. وضعت العرب في عيوب الخيل البدنية والعادية مصطلحات تدل على ذلك في أوصاف مخصوصة؛ من ذلك الفرس الأسفى؛ قليل شعر الناصية، والأغم؛ الذي يكثر شعر ناصيته حتى يغطي عينيه، والأزور الذي دخلت إحدى صفحتي صدره وخرجت الأخرى، والأصك؛ الذي تصطك ركبتاه وكعباه، والأشرج، ما كانت له بيضة واحدة، والأعشى؛ الذي لا يرى بالليل، والأجهر؛ الضعيف البصر الذي لا يرى جيدًا في الشمس، والعضوض؛ الذي يعض من يدنو منه، والنفور؛ الذي لا يثبت لمن يقترب منه، والجموح، الذي لا يوقفه اللجام عن جريه، والحرون إذا ثبَّت أرجله في الأرض وامتنع عن المشي، والقموص؛ الذي ينفض راكبه حتى يسقطه.
ألفاظ في خيل السباق. كانت العرب قديمًا ترسل خيل السباق عشرة عشرة، ولكل واحد منها اسم خاص به، ومكان السباق هو المضمار، وكانوا يضعون عند آخر نقطة من المضمار الجائزة على رؤوس قصب الرماح؛ ومن ذلك جاءت عبارة ¸حاز فلان قصب السبق· فمن وصلها أولاً أخذها. وكانوا يسمون الأول السابق والمبرّز والمجلّي، وكانوا يمسحون على وجه الفرس الفائز، ويقال إنه سمي المجلّي لأنه جلّى عن صاحبه ما كان فيه من الكرب والشدة. ويسمون الثاني المصَلّي لوضع جحفلته على قطاة (عجز) السابق، والثالث المعَفّى والمُسَلّي لأنه سلّى عن صاحبه بعض همه بالسبق حيث جاء ثالثًا. والرابع التالي لأنه تلى المسلِّي، والخامس المرتاح لأن راحة اليد فيها خمس أصابع. والسادس العاطف، فكأن هذا الفرس عطف الأواخر على الأوائل أي ثنّاها، والسابع البارع والحظيّ لأنه قد ناله حظًا، والثامن المؤمَّل؛ لأنه يؤمل وإن كان خائبًا، والتاسع اللطيم؛ لأنه لو أراد أن يدخل الحجرة التي هي نهاية السباق لطم وجهه دونها أو لأنهم كانوا يلطمون صاحبه. والعاشر السُّكَّيْت، لأن صاحبه تعلوه ذلّة وحزن ويسكت من الغم، وكانوا يجعلون في عنقه حبلاً ويحملون عليه قردًا ويدفعون للقرد سوطًا فيركضه القرد ليعيرّ بذلك صاحبه.