هذا المثل الذي اكتسى بصبغه شقراء؛ ظاهره توجيه صوت من اللوم لهذه الشقر، لأنها سريعة جدا. لكننا لو أمعنا النظر في الأمر؛ لوجدنا أن السرعة من الصفات المحمودة التي اتصفت بها الخيل العربية الأصيلة، بل ميزتها عن باقي السلالات، فكم من فرس أنقذ فارسه بفضل سرعة عدوه، وطول نفسه.. وعلى أية حال؛ فالمثل يضرب لما يُكره من وجهين..
وعن قصة هذا المثل؛ فقد قيل إن العرب كانت تتشاءم بالأشقر من الخيل، بسبب سرعته الشديدة في الحروب، وقالوا في ذلك أن لقيط بن زرارة بن عدس التميمي، وقد كان فارسا شجاعا من فرسان العرب، وشاعر جاهلي من أشراف قومه؛ كان على فرس أشقر يوم شعب جبلة بنجد، وهو من أعظم أيام العرب وأشدها؛ فجعل يقول: أشقر، إن تتقدم تنحر، وإن تتأخر تُعقر. وذلك أن العرب تقول: شُقر الخيل أسرعها، وكُمتها (نسبة إلى الكميت، وهو الجامع بين الحمرة والسواد) صلابها، فهو يقول لفرسه: يا أشقر، إن جريت على طبعك فتقدمت إلى العدو قتلوك، وإن أسرعت فتأخرت منهزما أتوك من ورائك فعقروك، فاثبت والزم الوقار، وانف عني وعنك العار.
ونحن نقول؛ إن هذه السرعة المفرطة للخيل الشقراء ليست مدعاة للتشاؤم، بل على العكس من ذلك؛ إنها مصدر للفخر والتفاؤل. ولو كانت العرب تتشاءم باللون الأشقر، إن صحّت الرواية؛ لقلنا إن هذا التشاؤم جاء في غير موضعه، والدليل على ذلك كلام خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال دفاعا عن هذه الشقر الميمونة: ” يُمْن الخيلِ في الشُقْر ” وأيضا: “عليكم بكلِّ كُمَيتٍ أغرَّ محجَّلٍ أو أشقرَ أغرَّ محجَّلٍ أو أدهمَ أغرَّ محجَّلٍ “.. وهذه الكلمات المباركات؛ كفت وأوفت.
قال صلاح الدين الصفدي وهو عالم وشاعر دمشقي:
يا حسنهُ من أشقر قصرت … عنه بروق الجو في الركض
لا تستطيع الشمس من جريه … ترسمه ظلا على الأرض
وقال صفي الدين الحلي وهو شاعر عراقي نظم بالعامية والفصحى:
هل مبلغ الدار التي أغدو لها … بمقلص السربال أحمر مذهب
لو يوقد المصباح منه لسامحت … بضيائه شية كوهج الكوكب
إما أغر يشق غرته الدجى … أو إرثما كالضاحك المستغرب
متقارب القطار يملأ حسنه … لحظات عين الناظر المتعجب
وأجل سيبك أن تكون قناعتي … منه بأشقر ساطع أو أشهب