ارتبطت الفروسية عند العرب بالقوة والمنعة، والشجاعة، وهذا ما يفسر اسمها الذي اشتق من هذه الأفراس الصامدة، سواء كانت ذكورا أو إناثا، والتي اتصفت بهذه الصفات. وقد شملت الفروسية كلا المعنيين؛ القتالي والرياضي، فكما أدت دورها في ميادين القتال؛ فقد كانت من أرقى ضروب الرياضة..
فروسية العرب في ساحات الفداء والوغى لها شأن عظيم، ولنفتتح بقول مأثور من أقوال واحد من أشهر فرسان الصحابة؛ الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله، حيث قال: “لن تخور قوى ما دام صاحبها ينزع وينزو”. وخار أي ضعفت قوته ووهنت، والمعنى لن يضعف صاحب قوة يقدر أن ينزع في قوسه ويثب إلى دابته. فقد كان رضي الله عنه يمارس هاتين الرياضتين، وقيل إنه كان يمسك أذني فرسه، ثم يقفز عليه وهو يعدو فيحكم قياده، فكأنه ولد على ظهر فرس·
من أشهر الفرسان الذين كانت تروى حول بطولاتهم قصص عجيبة؛ معن بن زائدة، وأبودلف العجلي، وعمر بن منيف. وهذا الأخير قيل إنه خرج ذات يوم للصيد، فتتبع حمارا وحشيا ومازال يعدو بفرسه حتى حاذاه، ثم جمع رجليه ووثب على ظهره، وأخذ يجز عنقه بسكينه، والحمار يقاوم بعنف، حتى ذبحه·
كان الخلفاء يحاسبون الفرسان على إهمالهم لخيلهم حسابا عسيرا. وبالمقابل كانوا يقربون البارزين من منهم، ويبالغون في إكرامهم، ومن أشهر فرسان العصر العباسي، الذين حظوا بمكانة رفيعة في بلاط الخلافة؛ أبو الوليد بن فتحون الذي برز في عهد المستعين، وكانت تضرب بشجاعته الأمثال.. انه الفارس الصنديد والليث العنيد. قربه الخليفة وعظَّمه، وأغدق عليه الأموال، وذاع صيته بين الروم الذين كانوا يخشونه، حتى قيل على سبيل المبالغة، إن الفارس منهم كان يقول لفرسه إذا أحجم عن شرب الماء: ويحك هل رأيت ابن فتحون في الماء· وقد قيل: أبو الوليد بن فتحون هاب العدو لقائهُ .. حتى الخيول تهابهُ!.
ومما روى عن هذا الفارس أنه اشترك يوماً في قتال الروم، وبلغ من شجاعته وثقته بنفسه وسخريته من أعدائه، أنه استوى على سرج فرسه، وانطلق إلى المعركة يتهادى من غير سلاح، ولم يكن معه غير سوط طويل، معقود الطرف، فأغرى به ذلك فارساً من فحول فرسانهم، فبرز إليه، وإذا بأبي الوليد يرفع يده بالسوط، ثم يهوي على عنقه، فيلتف عليه، ثم إذا به يجذبه بشدة، فيقتلعه من فوق سرجه، ثم يجره على الأرض، حتى يلقيه بين يدي أمير المؤمنين·
أما فروسية العرب في ميادين السباق؛ فقد وجد سباق الخيل العناية والتشجيع من الخلفاء، بخاصة من معاوية بن أبي سفيان وهشام بن عبدالملك، وقد بلغ من شغف هشام بالخيل وسباقها أنه اقتنى وحده أربعة آلاف فرس، ولم يسبقه أحد من العرب إلى ذلك. وكان ميدان الرصافة في عصر الأمويين، وميدان الرقة والشماسية في عصر العباسيين، وميادين الحكم بالأندلس، من أشهر ميادين السباق التي خلدها التاريخ على مر الأزمان.
ومن أشهر ألعاب الفروسية في ذلك الزمان؛ لعبة الكرة والصولجان أو الجوكان، حيث كانوا يتقاذفون فيها كرة خفيفة بعصا عقفاء، تبلغ الواحدة منها نحو أربعة من الأذرع طولا، وهم على صهوات الخيل. ويروى أن هارون الرشيد كان أول من عشق تلك اللعبة من الخلفاء. ولم يكن الخليفة المعتصم أقل منه إقبالا عليها. ولم تلبث أن أصبحت اللعبة المفضلة عند القادة والأمراء، وكانت معروفة عند العرب قبل الإسلام، ولكن في أضيق نطاق، وكان من النابغين فيها الشاعر العربي عدي بن زيد، وقد انتقلت هذه اللعبة في العصور الوسطى إلى البلاد الأوروبية عن طريق مصر، كفرنسا وغيرها، ثم تطورت إلى لعبة البولو التي تقام لها المنافسات اليوم·