خاء، فياء، ثم لام. ثلاثة من الأحرف اجتمعت؛ فشكلت كلمة من أجمل الكلام، واسمٌ لأحد خير الدواب، كما جاء في كلام رب الناس (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة… – وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل…)، وكثير جدا من أحاديث خير الناس، محمد صلى الله عليه وسلم (الخيل معقود في نواصيها الخير – ميامين الخير في الشقر – خير الخيل الأدهم…)، ثم شعر ونثر ومدح وثناء، جادت به ألسنة كثير جدا من الناس..
إن في الخيل بشكل عام، وبخاصة العربية منها؛ لهيبة، وربما رهبة، يحسها القريب منها دون البعيد، فأكثر الناس قد لا يشعرون بهذا الأمر، ربما لأنهم لم يقتربوا من هذه الكائنات المهيبة، اقتراب اليد من الجسد، ناهيك عن امتطائها، ولعل السبب في تلك الهيبة؛ يكمن في ذلك الجسد الشامخ المرتفع عن الأرض، مع أصل ثابت أساسه أربعة من القوائم القوية، مزدانة بمجموعة من العضلات المرنة المتناسقة، يعلوها رقبة طويلة مستقيمة، وحارك عالٍ مستدير، وكتف طويل ضخم، وصدر رحب واسع، وبطن مستدير ملتف، وظهر قصير عريض، وذيل بشعر طويل ناعم. يكسو كل ذلك؛ لون زاهٍ جميل.. وكل هذه بجملتها؛ تجسد ذلك المشهد المهيب.
إن كائنا بهذه الصفات لجدير بالحب، وجدير بأن يعتنى به كما يعتنى بالأحبة والعيال، وأن يكون أعز صاحب ورفيق، وهذا ما فعله العرب. وإن القصص العجيبة التي قد لا تصدقها أذن، وتدعو إلى الحيرة أحيانا؛ لتثبت هذه الجدارة، لدرجة أن بعضهم إن خُير بين اثنين؛ يختار جواده دون حبيبه! لأنه قد علم أن الفرس يحمل فارسه في وقت الضيق وينجيه، وهذا الفعل لا يقوم به غير الفرس. وقد روي أن أحد فرسان العرب كان ينوي الزواج من ابنة عمه، فخطبها من أبيها، ودفع له مئة ناقة براعيها. فقال أبوها: أنت أحق بها من غيرك، ولا أريد مهرها إلا جوادك!! وهنا؛ سكت الفارس عن الجواب، فنظرت إليه ابنة عمه وغمزته فتنهد وأنشد:
وقعقعة اللجام برأس مهري … أحب إلي مما تغمزيني
وما هان الجواد علي حتى … أجود به ورمحي في يميني
أخاف إذا وقعنا في مضيق … وجد السير أن لا تحمليني
جياد الخيل إن أركبها تنجي … وإني إن صحبتك توقعيني
دعيني واذهبي يا بنت عمي … أفي غمز الجفون تراوديني
فمهما كنت في نعم وعز … متى جار الزمان فتزدريني
وأخشى إن وقعت على فراش … وطالت علتي لا ترحميني
فلما علم أبوها أنه لن يتنازل عن جواده، عرف أنه كفؤ لابنته فزوجها له.
وهذه قصة مشابهة لعنترة بن شداد، فقد كان يسقي فرسه اللبن، قبل أن يسقي عبلة، فعاتبته على ذلك فقال:
لا تحسدي مهري وما أسقيته … ما أنت إلا في مقام أعظم
فإذا غضبت فلي إليك وسيلة … إما بعقد أو بثوب معلم
وابن النعامة ما إليه وسيلة … إلا بطيبة مشرب أو مطعم
إن كان حبك في الفؤاد محله … في أعظمي يجري كما يجري دمي
فاروي صداه من الظمأ فلعله … ينجيك من هول الغبار المظلم
إني أحاذر أن تقولي مرة … هذا غبار ساطع فتقدم
فيخونني وقت الطعان فتصبحي … مسبية بتحسر وتندم
هاتان قصتان كتبت أغلبهما شعرا، أفصحتا صراحة عن تقديم الخيل العربية على الأحبة، وأن الخيل غالية جدا جدا، وأنها لا تقدر بباهظ الأثمان. وغيرها الكثير من القصص والروايات التي أنصفت هذه المخلوقات المكرمة. بقى لنا أن نختم ببيت من الشعر، امتلأ بلاغة وجمالا، يلخص كثيرا مما كتبناه، قاله أحد الشعراء العرب..
مفداة مكرمة علينا … تُجاع لها العيال ولا تُجاع!!.