سيدني الرايخ | ترجمة الأصالة
عندما كنت طفلا، كان منزلنا مثل حديقة حيوانات صغيرة. كان والدي يربي الكلاب – الكلاب الكبيرة. كانت دائما تحيط به من جانب الكلابُ الدنماركية الضخمة، وكلاب الذئب الايرلندية، وكلاب الشنوزر العملاقة وما شابهها. وكانت أختي تربي كلاب سايت هاوند – والكلاب الأفغانية، في الغالب، ولكن كان عندنا أيضا أحيانا الكلاب السلوقية، والبورزوية، أو كلاب الوبت (كلاب سباق). وكان أحد أشقائي يربي الثعابين – ثعابين الحفاث، والأصلة العاصرة، والثعابين الآسيوية، وغيرها. وبطبيعة الحال، كنت في الحظيرة مع الخيول والأغنام والماشية. وغني عن القول أننا كنا نشكل عائلة مع حيوانات من جميع الأنواع، وبالتالي فإن تربية الجراء لم تكن عملا شاقا. عندما تمر أنثى بدورة الشبق، تجد لها ذكرا مناسبا للتزاوج – وتضعهما في نفس المنطقة الجغرافية وبعد شهرين – تأتي الجراء! ليس هذا عملا شاقا.
ولكن لم يعد الأمر. عندما كانت تمر الأنثى عندنا بدورة الشبق، كنت أعرف أنه سيمر على الأقل أسبوع قبل أن تكون جاهزة للتزاوج. كنت قد وجدت منذ عدة سنوات كلبا، كان جسمه مبنيا بشكل جميل – كان بطلا في إحدى عروض جمال الكلاب، ولكن الأهم، كان كلبا مرخصا للعمل. كان بارعا في اختبارات الاستعداد الفطري للصيد، وتدريبات تعقب الطريدة الآلية، وغيرها من النشاطات التي تختبر غريزة الصيد لدى الترير (كلب صيد).
ولحسن الحظ، كان في حالة جيدة، لذلك لم أهتم بإجراء التلقيح الاصطناعي، وبالرغم من ذلك لم يتم انجاز المهمة. وكان الاقتراح اختبار هرمون البروجسترون على الأنثى، لأنه كان أفضل مؤشر على توقيت التزاوج. يا لسخافتي – كنت دائما أظن أنه عندما تظهر الأنثى سلوكا إيجابيا للتزاوج، تكون مستعدة للتزاوج. بالتأكيد كان التزاوج يتم بطريقة تلقائية – كانت الكلاب تتزاوج من تلقاء نفسها لعدة قرون.
بعد اطلاعي على كتيب عرفت أن مستوى هرمون البروجسترون للأنثى كان منخفضا جدا. سيمر أسبوع آخر قبل أن تكون مستعدة للتزاوج. كان البروجسترون منخفضا جدا؟ البروجسترون هو هرمون الحمل – فإن ارتفاع مستوى البروجسترون يبدو لي أنه يعني أن الأنثى لم تعد في دورة الشبق. على وجه التحديد، كانت استجابتها توحي بذلك. أنت تريد أن تجري عليها التزاوج بعد إنتاجها للبويضات. كنت لمدة 35 عاما أقضي وقتي في انتظار اقتراب إنتاج الأفراس للبويضات حتى يتم تزاوجها – قبل أو عند التبويض. أما الآن لا بد لي من الانتظار حتى بعد التبويض.
كان هناك اتجاه لانتقاء الخيول لطول أعناقها. كانت الخيول ذات الأعناق الطويلة تكسب منافسات خيل الجمال، وأصبح طول العنق صفة وراثية مرغوب فيها في تطوير سلالات الخيل التي لم تعرف هذه الصفة، مثل السلالات التي اشتهرت بشدة تقوس الأعناق، ولكن ليس الطول الشديد. كانت الخيول حينئذ تسوق لطول أعناقها
كان من الصعب فهم هذا، لكنني عملت بنصيحة الطبيب البيطري وانتظرت خمسة أيام أخرى قبل وضع الكلاب معا مرة أخرى للتزاوج. في غضون ذلك، كنت يوميا أبقي الأنثى بعيدة عن الكلاب الأخرى، وأبقى الذكر بعيدا عن الأنثى. ورغم ذلك لم تكن أي نتيجة.
إذا كنت تتساءل عن سبب كتابتي مقالا عن تربية الكلاب، فثمة رسالة هنا لمالكي الخيول. وبما أن إنتاج كلاب التزاوج قد عفا عليه الزمن، فإنه أوجد الكثير من النقاش العميق عن حالة تزاوج الحيوانات في القرن الـ21. كما هو الحال مع الكلاب، كنا نربى الخيول بنفس الطريقة. العثور على الفحل، ونحضره إلى الفرس، من ثم ننتظر 11 شهرا للحصول على المهر. وفي معظم الأحوال كان التزاوج ناجحا بشكل كبير جدا. كما تم تطوير تقنيات جديدة، مثل التلقيح الاصطناعي، وتبريد السائل المنوي، والسائل المنوي المجمد، ونقل الأجنة، فبدأت عملية التكاثر تتحرك أبعد وأبعد عن الحيوانات الفعلية. كانت هناك أسباب وجيهة تماما لتبني هذه التقنيات – وهي كل شيء بدءاً بمكافحة المرض إلى تحقيق أقصى قدر من إمكانات تكاثر الخيول بعلم الوراثة المتطور. ومع ذلك، فهل بالاستغناء عن تكاثر الخيول بأنفسها، هل نحن قادرون على جعل الخيول تتكاثر إذا لم تكن قادرة على ذلك في الحالات الطبيعية؟ كان هذا دائما المعضلة التي تعصف بذهني في بعض الأحيان. إذا كان الفحل أو الفرس ضعيف الخصوبة، ولكن يمكن أن ينتج الأمهار باستخدام تقنيات الإنجاب المساعدة، هل هذه فكرة جيدة لإنتاج الأمهار من هذه الخيول؟ بالنسبة لي، فإنه يعتمد على أشياء كثيرة. إذا كان الحصان عقيما وراثيا، فسوف يكون من الصعوبة أن أبرر الرغبة في إنتاج المزيد من النسل. واما إذا كان العقم بسبب المرض أو الإصابة، أو تأثير خارجي آخر، فإن إنتاج هذه الأمهار من هذه الخيول من خلال تقنيات الإنجاب المساعدة يكون هو الاستجابة للعديد من دعوات مربي الخيل.
لا أدعو الجميع ببساطة إلى جمع الفحول والأفراس وفسح المجال لعملية “البقاء للأصلح”. ومع ذلك، أعتقد أنه من وقت لآخر نحن بحاجة إلى التفكير حول ما نقوم به بوصفنا مربي خيل، وأن الكيفية التي نفعل بها ذلك تؤثر على السلالة بأثرها على المدى البعيد. كان هناك الكثير من النقاش في الآونة الأخيرة (ولقد تناولت ذلك في هذا العمود) حول أن كيفية استخدام التلقيح الاصطناعي وتقنيات الإنجاب المساعدة الأخرى قد انحرفت بالتجمع الجيني نحو فئة قليلة من الأسلاف المهيمنين. إن التقنيات الإنجابية هي مجرد أدوات – وإن كيفية استخدام مربي الخيل لهذه الأدوات هو الذي يحدد ما هو موجود في نشاطات التربية. وما يقلقني كثيرا في الوقت الحاضر هو تلك الصفات الوراثية صاحبة الحظوة في السوق الحالي. إن مربي الخيل يحددون الصفة الوراثية التي يرغبون فيها، ثم يبحثون عن الأسلاف الذين يوفرون تلك الصفة الوراثية. إن التقنيات الإنجابية هي مجرد وسيلة لتحقيق غاية.
على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية أو نحو ذلك، كان هناك اتجاه لانتقاء الخيول لطول أعناقها. كانت الخيول ذات الأعناق الطويلة تكسب منافسات خيل الجمال، وأصبح طول العنق صفة وراثية مرغوب فيها في تطوير سلالات الخيل التي لم تعرف هذه الصفة، مثل السلالات التي اشتهرت بشدة تقوس الأعناق، ولكن ليس الطول الشديد. كانت الخيول حينئذ تسوق لطول أعناقها وتكافأ في منافسات خيل الجمال لذلك أيضا. وحتى بعد تعاقب أجيال استخدم فيها الانتقاء الاصطناعي، كان طول العنق صفة وراثية واضحة بشكل كبير في التجمع الجيني. ولكن للأسف يبدو أنه من خلال الانتقاء اعتمادا على طول العنق، جاءت في الصفقات الظهور الطويلة. وباستمرار جاءت الخيول ذات الأعناق فائقة الطول بظهور أو أصلاب فائقة الطول أيضا. هنا تكمن خطورة انتقاء الخيول للتزاوج استنادا إلى صفة وراثية واحدة؛ فقد تجر معها صفة وراثية أخرى غير مرغوب فيها.
دعونا نعرج مرة أخرى على موضوع الكلاب. تنحدر جميع الكلاب من حيوان الذئب، بدءاً بكلاب البج، ومرورا بكلاب البولي، وانتهاءً بكلاب لاسا أبسو. جميعها ينحدر من جد واحد. إذن فكيف نحصل على كلاب البودل والشيهواهوا من نفس المخزون المعد للتزاوج؟ يكون ذلك من خلال انتقاء صفات وراثية معينة.
أُجريت دراسة مذهلة في روسيا على الثعلب الفضي على مدار خمسين عاما. كانت هذه الثعالب سوداء مع بقع فضية (نوع من أنواع الثعالب الحمراء). قرر الباحثون إجراء الانتقاء للتزاوج استنادا إلى صفة وراثية واحدة- وهي الترويض. لذلك كانوا يبحثون في كل جيل من الثعالب عن هذه الصفة – هل يظهر الثعلب اهتماما بالبشر، هل يقل لديه العدوان ، هل يسمح للإنسان بلمسه، وما إلى ذلك؟ وتم انتقاء الثعالب التي سجلت معدلا مرتفعا في الترويض.
وبعد أكثر من 40 جيلا، أنتج الباحثون ثعالب مروضة بشكل لا يصدق. تم انجاز المهمة بنجاح، ولكن كان ذلك بانتقاء صفة وراثية واحدة – تجاهل مربو الثعالب الصفات الوراثية الأخرى من حيث الأساس. فكانت النتيجة أنه بالرغم من نجاحهم في إنتاج ثعالب مروضة ترويضا كاملا، فقد أظهرت هذه الثعالب جميع الصفات الوراثية الجسدية لجميع الثعالب – اكتسب بعضها غطاء طبيعيا ملونا: ثعالب رقطاء إذا جاز التعبير. وأخرى اكتسبت عيونا زرقاء، وأخرى ذيولا مجعدة، وأخرى آذان متدلية، وأخرت بدأت تكتسب جماجم بأشكال تختلف عن جماجم الثعالب. من الناحية الأساسية، ما صار إليه حالهم لم يبدو كحال الثعالب، وحتى سلوكهم لم يشبه سلوك الثعالب.
ومن المرجح أن هذه هي الكيفية التي نتجت عبرها سلالات الكلاب المختلفة من الذئاب. تتمثل هذه الكيفية في تحكم الإنسان على عملية انتقاء الصفات الوراثية وانتقاء صفات وراثية معينة على مر الأجيال لإنتاج الصفات الوراثية التي ظنوا أنها مرغوب فيها أكثر من غيرها. لقد وقع الاختيار على بعض من هذه الصفات على أساس القدرة على العمل – على سبيل المثال، ليس هناك ما يضاهي كلاب بوردز كول عندما يتعلق الأمر برعي الأغنام. ووقع الاختيار على كلاب الترير لقدرتها على الصيد. لذلك تم التزاوج مع تلك الكلاب التي برعت في هذه الصفات الوراثية.
برعت الخيول العربية في قطع المسافات الطويلة بكفاءة عالية. تركزت عملية الانتقاء الأصلية حول هذه الصفة الوراثية من أجل التزاوج. وعلى مر السنين والأجيال أصبحت نواحي أخرى من الصفات الوراثية مرغوبا فيها، اللون على سبيل المثال. تعتمد بعض برامج التزاوج اللون الأسود صفة وراثية أساسية في التزاوج. وفيما يتعلق بالقدرة على العمل، ترى بعض برامج التزاوج أن السرعة صفات وراثية أساسية (السباق)، أو التحمل أو تلك الخيول التي تتمتع بحركة زائدة عند الخبب. ولكن يجب أن يقر المربون بأن هناك عواقب لانتقائهم للخيول للتزاوج استنادا إلى صفات وراثية واحدة، كما يجب أن يكونوا على وعي تام فيما يتعلق بما يقومون به.
ما يقلقني الآن هو الاتجاه الحديث نحو انتقاء الخيول استنادا إلى رؤوسها – أي الرؤوس شديدة التقعر. فبالرغم من أن الخيول العربية تشتهر بالتقعر الخفيف للوجه، فهناك اتجاه نحو التزاوج استنادا إلى الرؤوس شديدة التقعر قد الإمكان. وطبقا للعادة، فيما يتعلق بالاتجاهات الحديثة في تربية الخيول، أصبحت الرؤوس شديدة التقعر صاحبة الحظوة في منافسات خيل الجمال، وأكثر من ذلك في سوق الخيل. وقد سأل الفرد: ما هي المعالجة لذلك؟ الرؤوس غير المألوفة هي ببساطة أكثر جمالا من غيرها، وهي عبارة عن نسخة محسنة للرؤوس الحالية. بكل تأكيد يكون الجمال في عين ناظره، ولكن الرؤوس المنتجة الآن ( ما أسميها “رؤوس الدلافين”) رؤوس بعيدة جدا عن المألوف، كما إنها تعيق قدرة الحصان على التنفس والأكل. بعض الرؤوس المقعرة تكون بارزة لدرجة تضيق معها ممرات التجويف الأنفي فيعاني الحصان من صعوبة التنفس. وغالبا ما يكون فكا الحصان بارزين فيؤدي ذلك إلى مشاكل في الأكل. يحسن انتقاء الصفات الوراثية المحسنة التي تعزز من الوظائف الفسيولوجية للحصان. ولكن يتسبب الانتقاء من أجل الحصول على الصفات الوراثية في وقوع ضرر على وظائف الحصان الفسيولوجية، فكيف نزعم أننا نحسن السلالة؟ وكم عدد الخيول التي تم إنتاجها وهي تعاني من مشاكل فسيولوجية في مقابل كل حصان اكتسب وجها غير مألوف لا يعيق وظائف الحصان الفسيولوجية وفاز في منافسات خيل الجمال؟ لن نرى تلك الخيول على العلن على الإطلاق!
لا أحدد للناس الكيفية التي يديرون بها برامج التزاوج التي يعتمدونها، ولا ألقي باللائمة على أولئك الذين يحبون الرؤوس غير المألوفة ويريدون إنتاج المزيد منها. وكما يفعل القاضي، أريد أن أرى رأسا جميلا. ما أريد قوله هو أعتقد أننا على حافة الهاوية، وإذا استمر الانتقاء بناءً على صفة وراثية واحدة على مدى الكثير من الأجيال المتعاقبة فسوف نحصل في نهاية المطاف على رؤوس مشوهة. لذلك يجب على مربي الخيول وضع عواقب قراراتهم في الاعتبار – فمقابل ظهور صفة وراثية تظهر أيضا صفات وراثية سيئة. هذه المعلومة يعرفها مربو الخيول المخضرمون جيدا. والخبر السار هو أنه لطول فترة الحمل يأخذ الانتقاء من مختلف الأجيال قليلا من الوقت، والخبر المحزن هو أنه هناك زيادة كبيرة في الرؤوس غير المألوفة في الفواصل الزمنية القصيرة نسبيا. أرجو – بوصفنا مربي خيول – أن نأخذ كامل مسؤوليتنا عن سلالة الخيول بأسرها محمل الجد ونضع في الاعتبار تأثيرنا الحالي (وفي المستقبل) على خير وصلاح السلالة في المدى البعيد.
إن الخيول العربية التي يجرى تربيتها الآن هي الأجمل من أي وقت مضى. هي رياضية بشكل مثير للدهشة، وتبرع في مجموعة من المجالات. لقد استخدم مربو الخيول الذين يحبون الصفات الوراثية للخيول العربية تلك الصفات الوراثية لتحسين سلالات خيلية أخرى. نحن نحتفظ بالخيول العربية لأننا نحبها، ولكن دعونا نفكر مليا فيما نتركه للأجيال القادمة من مربي الخيل، على ألا يكون ذلك حب صفة وراثية واحدة دون غيرها حبا كثيرا، فيتسبب ذلك في ضرر يلحق بسلالة الخيول العربية على المدى البعيد.
وفي ذات السياق، وبالرجوع إلى مشروع تربية الكلاب، استطعنا إجراء التزاوج الناجح مع الأنثى عن طريق التلقيح الاصطناعي. لم يتزاوج الذكر من قبل مع الأنثى بطريقة طبيعية. كان يشارك فقط في الحصول على التلقيح الاصطناعي. وربما إذا كان أجري التزاوج من قبل بهذه الطريقة لكان قد أنجز المهمة مبكرا. ومع ذلك، ولأننا قد تجاوزنا الحيوان خطوات في إجراء التزاوج، فمن المرجح ألا نعرف ذلك على الإطلاق. لذلك، فبالرغم من أنني قد استسلمت لاستخدام التقنيات المتاحة، فإن برنامج التزاوج سوف ينتهي إلى هذه النقطة – كان الذكر قادرا على التزاوج ولكن كان ينقصه بعضا من السلوك الضروري، بسبب تدخل الإنسان.